اختارت صحيفة "الغارديان"، في اليوم العالمي للمرأة، الإضاءة على ما تعانيه الفتيات الإيرانيات، ولاسيما بعد حادثة التسمم التي أصابت نحو ألف طالبة تعرضن لـ"سم خفيف". وفي التحقيق المطوّل، تتعقّب الأسباب الحقيقية وراء تلك الحوادث منذ تشرين الثاني/نوفمبر، عندما ظهرت الحالات الأولى في مدينة قم، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية والمسؤولين.
وفي حين أدرج المراقبون الهجمات المشتبه بها بأنها جزء من رد متطرف - ربما بتأييد ضمني من الدولة - على الاحتجاجات التي قادتها النساء والفتيات التي هزت إيران منذ وفاة محساء أميني في أيلول/سبتمبر، ثمّة فرضية في أنّ بعض الحالات قد تكون دليلاً على مرض اجتماعي جماعي - أعراض ليس لها سبب طبي حيوي - ناجم عن قمع تلميذات لعبن دورًا رائدًا في تلك الحركة.
تنطلق "الغارديان" من الأرقام التي تؤكّد أن محو الأميّة لدى الإناث في إيران ارتفع بعد الثورة الإسلامية عام 1976 من 26% إلى 85% عام 2021، ليفوق عدد النساء عدد الرجال في الحرم الجامعي وفق إحصائيات البنك الدولي، إلا أنّ ثمّة تبدلا في السياسة العامة تلك منذ دخول المرأة على خط المعارضة والسجالات والتظاهرات، وليس آخرها ما حصل مع ناشطات إيرانيات قتلن تحت التعذيب.
"ما سبب الحوادث؟"، تسأل الصحيفة مخمنة أنّ "الإجابة معقدة نظرا الى القيود الشديدة المفروضة على حرية الصحافة في إيران، إذ يواجه الصحافيون تحديات لقدرتهم على التحقيق في ملابسات الأحداث - ولا يوجد دليل مباشر على المسؤولية. لكن من الممكن وضع بعض التفاصيل معًا".
وبحسب الصحافية الناشطة في مجال حقوق الانسان ديبا بارنت، والتي تغطي القصة لصحيفة الغارديان أن "الهجمات ليست معقدة على الإطلاق". وتقول:"أخبرني أحد الأطباء أنه بناءً على الأعراض التي يرونها، فمن المحتمل أن المادة المستخدمة في تسميم الفتيات عبارة عن فوسفات عضوي يستخدم على نطاق واسع في الزراعة كمبيد للآفات". وأوضح الطبيب: "الأشخاص الوحيدون الذين عالجهم في الماضي ممن عانوا من أعراض مماثلة عملوا في البيئات الزراعية أو العسكرية".
وفي محاولة لتضييق نطاق المسؤولية المحتملة، نظر بعضهم إلى حقيقة أن الحوادث الأولى كانت في قم، وهي مدينة شديدة التدين على بعد 80 ميلاً من طهران. توضح بارنت: "في حين أن تعليم الفتيات مقبول على نطاق واسع، إلا أن هناك إسلاميين متطرفين يعارضونه".
وتلفت بارنت الى ادعاءات بأن بعض الحالات على الأقل قد تكون ناتجة عن "مرض اجتماعي جماعي" حيث تنتشر الأعراض من دون سبب طبي حيوي واضح. يشير مؤيدو هذه الحجة إلى القمع القاسي للمتظاهرين في إيران كسبب محتمل.
تشير مراجعة اختبارات الدم التي أجرتها بعض فتيات المدارس إلى عدم وجود دليل على وجود سموم، وفق ما بثته شبكة "بي بي سي"، في حين ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه "في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، بدا أن فصلًا دراسيًا عانى أعراضا مرضية بعد إصابة فتاة بالربو وصعوبات في التنفس، مما دفع مدرسًا إلى التساؤل عما إذا كان الطلاب قد تنشقوا شيئا ما".
وأبلغ الشهود في بعض الحالات عن رؤية أشياء مشبوهة يتم إلقاؤها في ساحات المدارس. وفي هذا السياق يوضح خبير الأسلحة الكيماوية في معهد الخدمات الملكية الملكية دان كاسزيتا أنّ المواد السامة يمكن أن تتحلل بسرعة، مما يجعل من الصعب للغاية استخلاص استنتاجات مؤكدة.
لماذا يمكن استهداف الفتيات؟
تجيب بارنت: "بعد وفاة مهسا، كان طلاب الجامعات هم الذين نزلوا إلى الشوارع في الغالب". ولكن بعد فترة وجيزة، وردت أنباء عن وفاة ثلاث مراهقات جراء الضربات على الرأس: ستاره طاجيك ، وسارينا إسماعيل زاده ، ونيكا شاهكارامي.
هذه الوفيات غيرت الوضع تماما، بدأت تخرج للعلن صور فتيات مراهقات يظهرن أصابعهن الوسطى في مجموعة احتجاج خاصة، يحرقن صورة آية الله خامنئي - لقد بدأن هذا في الفصول الدراسية، ومن ثمّ انضممن إلى الإحتجاجات في الشوارع ".
وفي حين أنه من المحتمل أن المتطرفين يستغلون الوضع السياسي المحموم للتصرف بناءً على وجهة نظرهم الكارهة للنساء منذ فترة طويلة فيما يتعلق بتعليم المرأة، ويُنظر إلى الحوادث على نطاق واسع على أنها نتيجة للأحداث الأخيرة. تؤكّد بارنت:"لا أحد يعتقد أنه من قبيل المصادفة أن تكون تلك الحالات قد أعقبت الإحتجاجات". وتضيف:"ما تسمعه من النشطاء ومن شبكات الإحتجاج هو أن هذا انتقام من هؤلاء الفتيات وعائلاتهن".
كيف ردت الحكومة الإيرانية؟
تنقل بارنت وجهة نظر أولياء الأمور بأنه بعد شهور من تجاهل الأحداث من قبل الحكومة، يبدو أن الارتفاع الحاد الأخير في عدد الحالات أجبر السلطات على إصدار بيان ، إذ تحدث المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي علنًا عن هذا الموضوع لأول مرة، قائلاً إنه إذا كانت الحوادث متعمدة ، فيجب الحكم على الجناة بالإعدام لارتكابهم "جريمة لا تغتفر".
وتربط بارنت ما يجري بتقرير هيومن رايتس ووتش الأسبوع الماضي الذي أشار الى أنّ "السلطات الإيرانية لديها سجل مروع في التحقيق في العنف ضد النساء والفتيات" ، مشيرة إلى مثال 2014 على الإعتداءات بالأحماض على النساء في مدينة أصفهان، والتي لم تسفر عن أي اعتقالات أو ملاحقات قضائية".
ماذا يعني كل هذا بالنسبة لمستقبل الحركة الاحتجاجية؟
تختم بارنت تقريرها: "مهما كانت درجة تعقيد تقييم الأسباب، فإن سلسلة الحوادث تأتي في لحظة محتدمة. وفي حين كانت هناك فترة من الهدوء النسبي في الإحتجاج أخيرا - ربما بسبب الإرتفاع الحاد في عمليات الإعدام - فقد أدت الحوادث في مدارس الفتيات إلى إحساس جديد بالغضب، يقول لي المتظاهرون إنهم لا يمكنهم السماح بحدوث ذلك للفتيات الصغيرات، وللمناسبة يجري التخطيط لإحتجاجات جديدة بالتزامن مع إحياء اليوم العالمي للمرأة والذي يشهد على نضال كثيرات على الصعيدين النسوي والحياتي".