منذ زمن ليس ببعيد بشرتنا كونداليزا رايس بأنه سوف يكون لدينا خريطة لشرق اوسط جديد من دون ان توضح لنا نوع هذا التعديل، هل هو في المحتوى ام في الشكل؟!َ
ما قبل العام 1920 لم يكن لبنان على الصورة التي هو عليها اليوم لكن اتفاقات سايكس بيكو التي وضعت في المنطقة من قبل الدول المنتصرة ألحقت بلبنان اربعة اقضية كانت اساسا تابعة لدول الجوار. وهكذا صار عندنا لبنان الكبير الذي جرى الإحتفال به في قصر الصنوبر المقر الرسمي للمنتدب الفرنسي.
كان يراد لهذه الصيغة الجديدة ان تحيا وتنمو لتكون دولة حقيقية لكن هذه الصيغة لم تنجح بتوحيد البلد فبقي من يحن الى الشرق كما بقي من يحن الى الغرب وهذان الحنينان لم يلتقيا وبدأ اهتزاز الصيغة المتفق على تسميتها صيغة 1943.
اهتزت هذه الصيغة ثلاث او اربع مرات كان فيها اللبناني يقف بوجه اللبناني الآخر مقاتلا من اجل "لبنانه" الذي يراه غير لبنان الآخر. واستمرت الصيغة تهتز عند اول منعطف ووصلت بعد مراحل الى انفصال ما دفع بالعقلاء من الطرفين للتفكير بصيغ بديلة مثل: التقسيم، اللامركزية الموسعة وأخيرا الفيدرالية…
مما لا شك فيه ان ثمة ما ليس متفق عليه بصورة جذرية، وهو نوع الحكم في لبنان بحيث ان الطائفية ما تزال تتحكم بعقول الطبقة السياسية وفي مشاريعهم المستقبلية.
انعقد مؤتمر الطائف وكان يهدف في ما يهدف الى الغاء الطائفية فابتدع هيئة دستورية سماها "مجلس الشيوخ" لكن الطبقة الحاكمة لم تقم بإنشاء هذا المجلس لأن اهمية وجودها تتفق مع استمرار وجود الطائفية لأنها مصدر غذاء عملها السياسي.
من هنا ربما كانت فكرة الشرق الأوسط الجديد تعني إعادة النظر في خرائط لبنان والمنطقة بما ينسجم مع افكار واحلام المجموعات الدينية التي تتكون منها المنطقة بحيث يكون من السهل حكمها.
ومما نشاهده اليوم من صعوبات كثيرة في الإتفاق على شخص رئيس جديد للجمهورية لأن كل الذين يعملون على هذا التوجه يفكرون طائفيا وليس وطنيا،ذلك ان الوضع الداخلي في لبنان يسير بسرعة نحو الهاوية وبدء الإنهيارات في المؤسسات الوطنية بحيث يذوب الكيان.
حتى الأشخاص الذين يتم التداول بأسمائهم كمرشحين محتملين لم يطرح احد منهم مشروعا حقيقيا وليس انشائيا يرسم فيه رؤيته للإنقاذ. بدلا من ذلك نلاحظ شروطاً مختلفة تثقل كاهل المرشح بتعهدات متنوعة ليس فيها ما يوقف الإنهيار.
اللبنانيون بأكثريتهم الساحقة لا يريدون تغيير النظام او تعديل الحدود او تحريك المجموعات الدينية وانما يريدون امرا واحدا هو ان تتكون آلة الحكم المؤلفة من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة تعمل بوحي واحد هو "الإنقاذ" ولا شيء غيره في الوقت الحاضر وعندما يصبح الإنقاذ حقا ليس ما يمنع ان يتفق اللبنانيون "على البارد" على صورة لبنان الجديدة. بمعنى آخر يجب ان يتعدل سلم الأولويات ويأتي انقاذ لبنان من كل المآسي في رأس السلم.
لهذا فإن المطلوب هو ان يكون برنامج الحكم مشتركا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لأنهما سيعملان معا من أجل تحقيق هذا البرنامج وذلك بعد ان يتخلى الحاكمون عن الأنانية الطائفية وعن التماهي مع دول وانظمة خارج لبنان.
من غير المسموح ان يبقى لبنان طيلة هذه المدة بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة تحكم معه والا انفتح بابا واسعا امام الإجتهادات المخالفة للدستور ناهيك عما يمكن ان يحصل من خروقات امنية نحن بغنى عنها.
صحيفة اللواء