لاقت خطوة تهديد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، للقيادي الفلسطيني الأسير في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، ردود فعل رسمية وفصائلية وشعبية غاضبة، وسط تحذيرات صدرت عن عائلته تحذر من إمكانية اغتياله داخل السجون كما جرى مع بعض الأسرى الفلسطينيين.
ونشرت وسائل تواصل اجتماعي محسوبة على نشطاء من اليمين المتطرف من المقربين من بن غفير، مقطع فيديو للأخير، وهو يقتحم غرفة العزل الانفرادي الموجود بها البرغوثي في سجن «غانوت» المعروف باسم نفحة سابقاً، ويوجه رسالة إلى القيادي الفلسطيني، قال فيها بحضور ضباط مصلحة السجون الإسرائيلية: «لن تنتصروا علينا، من يمس شعب إسرائيل، من يقتل الأطفال، من يقتل النساء، سنقوم بمحوه».
ويمثل البرغوثي بالنسبة للفلسطينيين أيقونةً لصورة «النضال الفلسطيني»، فيما يرى البعض أنه المرشح المجمع عليه من كل الفصائل والقوى المختلفة ليكون رئيساً مستقبلياً لفلسطين، حتى إنه في الكثير من استطلاعات الرأي التي كانت تُجرى في سنوات سابقة، خاصةً في خضم الانقسام الحاد ما بين «فتح» و«حماس»، كان يحصل على تأييد الأكثرية ليكون في هذا المنصب، خصوصاً أنه يحمل خطاباً وحدوياً.
واعتقل البرغوثي في عام 2002، وحُكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات و40 عاماً، ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، تعرض لعدة عمليات نقل وعزل متكررة.
ويعتبر البرغوثي أحد الأسماء البارزة التي تطالب حركة «حماس» بإطلاق سراحها ضمن أي صفقة تبادل أسرى شاملة، إلا أن إسرائيل في صفقات سابقة رفضت الإفراج عنه.
ومنذ أن عين بن غفير وزيراً للأمن القومي الإسرائيلي في عام 2022، تدهورت أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون بشكل غير مسبوق، ولوحظ تعرضهم لعملية تجويع كبيرة أدت لانخفاض أوزانهم بعد أن اتخذ بن غفير العديد من الخطوات والقرارات المصيرية بحقهم، ومنها تقليل وجبات الطعام وحرمانهم من أنواع مختلفة منها، حيث ظهر متفاخراً في أكثر من مقابلة إعلامية بهذه الخطوات.
وتخشى عائلة البرغوثي على حياته، وأشارت في بيان لها إلى أن ملامح وجهه تغيرت وأنه بدا عليه الجوع، متهمةً بن غفير بالتهديد المباشر بإعدامه، مؤكدةً أنه تعرض لاعتداءات متكررة من قبل مصلحة السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وبينما لم تعلق أي جهة إسرائيلية رسمية على ما جرى، اجتاحت بيانات تحمل ردود فعل رسمية وفصائلية وشعبية، جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وكان أول من علق على ما جرى نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، الذي غرد عبر منصة «إكس»: «تهديد بن غفير للقائد مروان البرغوثي في سجنه قمة الإرهاب النفسي والمعنوي والجسدي الذي يمارس ضد الأسرى، وضرب للمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية. وهذا يشكل انفلاتاً غير مسبوق في سياسة الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين، مما يتطلب التدخل الفوري للمنظمات والمؤسسات الدولية لحمايتهم».
بينما حمّل رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، الحكومة الإسرائيلية، وبن غفير تحديداً، المسؤولية عن حياة عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» مروان البرغوثي، الذي يتعرض للعزل منذ سنوات ولأبشع عمليات التعذيب والقهر والاعتداء اليومي من ضرب وتهديد بالقتل والحالة التي ظهر عليها من ضعف وهزال نتيجة عزله بظروف لا إنسانية، كما قال في تصريح صحافي له.
واعتبر أن ما قام به بن غفير يشكل عملاً عدائياً خطيراً يرقى إلى الشروع في القتل، ويتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً لردع هذه الممارسات الإجرامية، معتبراً أنها تأتي ضمن الحرب الشاملة الدموية التي تستهدف الفلسطينيين. مطالباً المؤسسات الحقوقية الدولية والصليب الأحمر بالتدخل الفوري لحماية الأسرى والبرغوثي، وإلزام إسرائيل بالالتزام ببنود اتفاقية جنيف بشأن معاملة الأسرى وحمايتهم.
كما حملت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن حياة البرغوثي وسائر الأسرى، معتبرةً ما جرى أنه غير مسبوق وإرهاب دولة منظم، مشيرةً إلى أنها ستتابع هذه القضية بكل جدية مع الصليب الأحمر والمجتمع الدولي لحماية الأسرى وتأمين الإفراج الفوري عنهم كافة.
وقالت حركة «فتح» إن تهديدات بن غفير وقادة الاحتلال لن تفتّ من عضد وصمود وإرادة البرغوثي، محملةً الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن حياته.
وعدت «فتح»، في بيانها، ما جرى انتهاكاً سافراً لجميع المواثيق والتشريعات الدولية، وأهمها اتفاقية جنيف الرابعة، مؤكدةً أن هذا «التهديد يأتي ضمن إجراءات قمعية ممنهجة تمارسها منظومة الاحتلال الاستعمارية بحق الأسرى والأسيرات في المعتقلات بقيادة وزير متطرف موصوم دولياً بالفاشية والإجرام»، داعيةً المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية ذات الصلة إلى وقف انتهاكات منظومة الاحتلال تجاه الأسرى.
بينما وصفت حركة «حماس» اقتحام زنزانة العزل الانفرادي للبرغوثي، وتهديده من قبل بن غفير، بأنه «استعراض جبان يكشف عن فاشية الاحتلال وعدائه لكل القيم الإنسانية»، مضيفةً أن «هذا العمل الإجرامي الخطير لن ينال من عزيمة وصلابة المناضل مروان البرغوثي، بل سيزيده إصراراً على مواصلة نضاله المشروع من أجل حرية شعبه وكرامته، وسيزيد من وحدة الحركة الأسيرة في مواجهة سياسات القمع والتنكيل الممنهج التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال».
ورأت «حماس» أن «هذا السلوك الإجرامي يأتي امتداداً لجرائم الحرب المرتكبة في معتقل (سديه تيمان) الذي شهد انتهاكات مروعة بحق الأسرى، وطالت أطباء وممرضين وصحافيين، في مشهد يعكس حجم الوحشية التي يتعامل بها الاحتلال مع الأسرى والمعتقلين»، داعيةً إلى أوسع حالة تضامن وإسناد مع الأسرى والوقوف في وجه جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتصعيد الضغط الشعبي لوقف الانتهاكات بحقهم.