نشرت صحيفة نيويورك تايمز، اليوم، تحقيقاً مطولاً كشف عن قيام أجهزة الأمن السورية في عهد بشار الأسد بإخفاء آلاف الأطفال، إلى جانب ما يقارب 100 ألف مختفٍ قسراً، وهو الرقم الأكبر منذ الحقبة النازية، بحسب التقرير.
وأوضح الصحفي شين باور، معدّ التحقيق، أنه زار سجوناً مهجورة تابعة للمخابرات السورية بعد سقوط النظام، حيث عثر على أحذية صغيرة ودمى وملابس أطفال، في مؤشر واضح على احتجاز قاصرين في هذه المعتقلات، وأكد أنه حصل على وثائق تشير إلى أن الأطفال نُقلوا لاحقاً إلى دور أيتام، وتم تغيير أسمائهم ومنع أقاربهم من الوصول إليهم.
شهادات عن الإخفاء
التحقيق أورد قصة الطفلتين ليلى وليان غبس اللتين اعتُقلتا مع والديهما عندما كانتا في الثامنة والرابعة من العمر، وبعد أسبوع قضتاه في زنزانة تحت الأرض، نُقلتا إلى مؤسسات رعاية تابعة لمنظمة SOS الدولية، التي وُجهت لها اتهامات بالتعاون مع أجهزة النظام في إخفاء هوية الأطفال وعدم تسليمهم حتى لذويهم.
أهداف النظام المخلوع
وبحسب التحقيق، استخدمت السلطات السورية هذه الممارسات كوسيلة لمعاقبة أهالي المعتقلين أو للضغط عليهم لتسليم أنفسهم، كما عمدت إلى تغيير هويات الأطفال لقطع صلاتهم بعائلات مرتبطة بالمعارضة، في حين جرى تجنيد بعض الفتيان عند بلوغهم سن الرشد.
بعد سقوط النظام
عقب فرار الأسد، تمكّن أقارب بعض المفقودين من العثور على أطفالهم في دور أيتام بدمشق ومحيطها، وتشكلت لجنة حكومية جديدة للتحقيق في هذه الانتهاكات، لكن لا يزال عدد الأطفال المفقودين غير معروف بدقة، فقد قدّرت اللجنة أن العدد يصل إلى "المئات".
وقال المتحدث باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في دمشق، سعد الجابري، إن الوزارة عثرت على وثائق تؤكد أن الأجهزة الأمنية كانت تنقل أطفال المعتقلين إلى المياتم بقرارات مباشرة، وذكر أن تحقيقاً داخلياً تضمن وثيقة تشير إلى إعادة أطفال من عائلة الطبيبة "رانيا العباسي" إلى النظام عبر منظمة SOS، لكن الصحيفة أشارت إلى أن الوثيقة لم تكن على ورق رسمي، في حين رفضت المنظمة تأكيد صحتها.
وفي 14 آب الجاري، أصدرت منظمة SOS بياناً جديداً أقرت فيه بأنها استقبلت 139 طفلاً من دون وثائق رسمية بين عامي 2013 و2018، موضحة أن:
34 طفلاً تمت إعادتهم لعائلاتهم،
طفلاً واحداً أُحيل إلى مركز للإعاقة،
104 أطفال أُحيلوا إلى سلطات النظام، ولا تملك المنظمة معلومات عن مصيرهم لاحقاً.
كما شددت على أنها اتخذت إجراءات صارمة منذ عام 2018 لوقف استقبال الأطفال من دون وثائق، وكشفت عن تحقيقات دولية مستقلة، واستقالة رئيسة مجلس إدارتها في سوريا سمر دبول في أيار الماضي، بهدف ضمان الشفافية وعدم عرقلة التحقيقات، وأكدت أنها تعمل مع الحكومة الجديدة، والمؤسسات المحلية والدولية، لدعم عمليات البحث عن المفقودين، وأنها تراجع كل بلاغ يردها حول الأطفال المفصولين قسراً.
وأضافت المنظمة أنها تدين حملات التضليل أو استهداف الأطفال بصور أو بيانات غير موثقة، مؤكدة أن حقوق الأطفال وكرامتهم وسلامتهم تبقى البوصلة الأخلاقية في جميع أنشطتها.
تعقيدات ما بعد الأسد
أقرّ الجابري بوجود صعوبات في كشف مصير الأطفال المفقودين، مشيراً إلى وجود "عدد كبير من المقابر الجماعية"، ما قد يعني أن بعض القصص لن تُعرف نهاياتها.
وفي أيار/مايو الماضي، أعلنت الحكومة السورية الجديدة نيتها تشكيل لجان تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتعويض الضحايا وكشف مصير المفقودين، لكن الواقع السياسي والاقتصادي المنهك يجعل المهمة بطيئة وشاقة.
وحذّرت كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة الدولية للمفقودين، من أن تجاهل هذا الملف "يُبقي جذور العنف قائمة"، مؤكدة أن العدالة لا تتحقق من دون معرفة مصير المفقودين.