في السنوات الأخيرة، برز اسم حركة "أنتيفا" (Antifa) في المشهد الأميركي والعالمي باعتبارها إحدى أكثر الحركات إثارة للجدل. وتعني الكلمة اختصارًا لعبارة anti-fascist، أي "مناهضة للفاشية"، لكنها لا تشير إلى تنظيم هرمي بقدر ما تصف شبكة واسعة من النشطاء والفرق المحلية التي تتبنى فكرًا يساريًا راديكاليًا يناهض العنصرية وأقصى اليمين.
ومع إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عزمه تصنيف الحركة "منظمة إرهابية كبرى"، انتقل النقاش حولها من الشارع إلى قلب الجدل السياسي والقانوني في الولايات المتحدة.
طبيعة لامركزية وممارسات احتجاجية
و"أنتيفا" ليست حزبًا سياسيًا ولا حركة ذات قيادة مركزية. هي أقرب إلى مظلة فكرية تضم مجموعات وأفرادًا ينشطون بشكل مستقل في مدن مختلفة، مثل بورتلاند (أوريغون) وبيركلي (كاليفورنيا) ونيويورك وفيلادلفيا. وغالبًا ما يتبنى هؤلاء النشطاء أسلوب "الكتلة السوداء" في المظاهرات، أي ارتداء ملابس داكنة وأقنعة لإخفاء الهوية أثناء مواجهة خصومهم من جماعات يمينية أو سلطات الأمن.
ولا تقتصر الحركة على الولايات المتحدة، إذ ترتبط فكريًا مع تيارات مشابهة في أوروبا وأميركا اللاتينية وأستراليا، لكنها لا تملك هيكلًا دوليًا موحدًا. ففي ألمانيا وإيطاليا مثلًا، هناك مجموعات تحمل اسم "أنتيفا" تنشط منذ عقود في مواجهة الحركات النازية الجديدة، ما يعكس الطابع العالمي للفكر المناهض للفاشية.
التمويل بين الواقع والاتهامات
وواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل تتعلق بتمويل الحركة. وخصومها، خصوصًا من الجمهوريين في الولايات المتحدة، يلمحون إلى وجود "شركات أو دول" تدعمها ماديًا، غير أن التحقيقات الرسمية لم تثبت وجود أي تمويل حكومي أو دولي منظم.
وتشير المصادر الموثوقة إلى أن تمويل أنشطة "أنتيفا" يعتمد بالدرجة الأولى على التبرعات الشعبية الصغيرة، والمساهمات الفردية، وجهود جمع الأموال عبر الإنترنت لدعم المظاهرات أو توفير المساعدة القانونية للمعتقلين.
وهناك مثال بارز هو International Anti-Fascist Defence Fund الذي قدّم منذ 2015 أكثر من 250 ألف دولار كمساعدات لنشطاء تعرضوا للعنف أو الملاحقة من اليمين، موزعة على نحو 26 دولة. هذه الأرقام تكشف أن التمويل متواضع مقارنة بالتصورات الرائجة عن "ميزانيات ضخمة" تديرها الحركة.
أعداد غامضة وتأثير يتجاوز الحجم
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد أفراد "أنتيفا"، لأن الحركة لا تملك عضوية رسمية أو سجلات تنظيمية. ومع ذلك، يقدّر الخبراء أن الفرق المحلية في بعض المدن قد تضم مئات النشطاء والمتعاطفين، فيما تتوسع القاعدة المؤيدة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتشمل عشرات الآلاف من المتابعين.
ورغم هذا الغموض العددي، فإن تأثير الحركة أكبر من حجمها الحقيقي بسبب الحضور الإعلامي الكبير والقدرة على إثارة الجدل في كل مرة تقع فيها مواجهات بين أنصارها وخصومها. ففي احتجاجات 2020 التي عمّت الولايات المتحدة إثر مقتل جورج فلويد، اتُهمت "أنتيفا" بالوقوف وراء أعمال عنف ونهب، لكن تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أكدت لاحقًا أن الأدلة على تورطها بشكل منظم كانت محدودة.
يذكر أن قرار ترامب بالحديث عن إدراج "أنتيفا" في قوائم الإرهاب يثير جدلًا قانونيًا واسعًا.
فالقوانين الأميركية تسمح بتصنيف منظمات أجنبية إرهابية، لكنها لا تمنح السلطة نفسها عندما يتعلق الأمر بمجموعات داخلية فضفاضة. ويرى أنصار التصنيف أن الحركة تمثل تهديدًا متزايدًا للأمن الداخلي، وأن مواجهتها ضرورية لمنع تصاعد العنف السياسي.