ذكرت صحيفة "ساوث تشاينا مورينغ بوست" الصينية، أن اتفاقية الدفاع المشترك الجديدة بين السعودية وباكستان النووية تؤكد تصاعد الشكوك بشأن التزامات واشنطن الأمنية في المنطقة في ظل منافستها الاستراتيجية مع بكين، بحسب مراقبين.
وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن الصين، على الأرجح، سترى في مثل هذه الشراكات المتنوعة خطوة إيجابية، وقد تفتح الباب أمام فرص جديدة لتوسيع مبيعات السلاح، رغم أن الديناميات الأمنية في المنطقة قد تزداد تعقيدًا. وقد عززت الاتفاقية الدفاعية التي وُقّعت مساء الأربعاء بشكل كبير الشراكة الأمنية الممتدة منذ عقود بين الرياض وإسلام آباد، في وقت تزداد فيه مخاوف دول الخليج العربية من مدى موثوقية الولايات المتحدة كضامن أمني تقليدي لها.
وذكرت بأنه جاء التوقيع بعد أسبوع فقط من الضربة الإسرائيلية على قطر التي استهدفت قادة سياسيين في حركة حماس وأدت إلى مقتل ستة أشخاص في الدوحة. وقد أثار الهجوم غضب الدول العربية وزاد من المخاوف وقلب الحسابات الدبلوماسية في المنطقة.
واوضح سون دِغَانغ، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان في شنغهاي، إن الهجوم جعل السعودية تشعر بعدم موثوقية الحماية الأميركية، ودفعها إلى السعي نحو استقلالية استراتيجية وتعزيز التعاون مع باكستان. وأضاف أن الرياض تسعى من خلال الاتفاق إلى “تنويع مشترياتها” والحصول على حماية من باكستان بعدما كانت تعتمد بشكل أساسي على الولايات المتحدة.
وتبقى باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة المسلحة نوويًا، كما تمتلك أكبر جيش في العالم الإسلامي.
وردًا على سؤال بشأن ما إذا كانت باكستان ستكون ملزمة الآن بتوفير مظلة نووية للسعودية، قال مسؤول سعودي كبير: “إنها اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية”، بحسب وكالة رويترز.
وأشار سون إلى أن السعودية وباكستان صديقتان مقربتان من الصين، مضيفًا: “الصين ترحب بتعزيز تعاونهما الدفاعي بدلًا من وضع كل البيض في سلة واحدة هي الولايات المتحدة، كما يصب السعي وراء الاستقلالية الاستراتيجية مع شركاء متنوعين في مصلحة الصين أيضًا”.
وذكر لين لي، الملحق العسكري الصيني السابق في السعودية ونائب رئيس مؤسسة الحوكمة العالمية، إن “اللامبالاة الواضحة، بل حتى التساهل” من جانب واشنطن إزاء الهجوم تركت دول الخليج تتساءل عن مدى ثقتها بالولايات المتحدة، وذكّر بأن قطر حليف وثيق لواشنطن وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.
وأضاف لين أن الاتفاق الجديد قد يفتح الباب أمام اتفاقيات ثنائية مماثلة في المنطقة مع تصاعد الشكوك حول الالتزامات الأمنية الأميركية.
وقال: "ربما وجدت علاقات الحماية المتبادلة بشكل غير رسمي من قبل… لكن قرار إعلانها الآن له دلالة كبيرة، فالشرق الأوسط يرى بشكل متزايد أن أميركا غير جديرة بالثقة".
ووفّرت باكستان – بصفتها حليفًا نوويًا لواشنطن وشريكًا عسكريًا رئيسيًا لبكين – فرصة للسعودية لتحقيق توازن بين الولايات المتحدة والصين وضمان أمنها، على حد تعبيره، وتابع: “من الواضح أن هذه الخيارات تتكشف في ظل احتدام التنافس بين القوى الكبرى”، في إشارة إلى المنافسة بين الصين والولايات المتحدة.
وقالت ليسيلوت أودغارد، الزميلة البارزة في معهد هدسون بواشنطن، إن الولايات المتحدة والصين تتنافسان على استقطاب اهتمام السعودية، وأضافت: “السعودية بارعة في تعظيم مصالحها من خلال إقامة علاقات مع الجانبين”.
واوضحت أودغارد إنّه "ليس من الواضح" أن العلاقات السعودية مع الصين أو مشتريات الأسلحة الصينية ستشهد تغييرات كبيرة، مرجّحة أن تواصل الرياض في الوقت الحالي السعي إلى علاقات تعاون مع جميع الأطراف، وأضافت: "لكن كثيرين سيرون في ذلك خطوة جديدة مزعزعة للاستقرار في المنطقة من قبل دول مثل الصين والولايات المتحدة والهند، وبالطبع إسرائيل أيضًا، ومزيد من الاضطراب قد يكون مفيدًا لمبيعات الأسلحة الصينية في منطقة الشرق الأوسط الأوسع".
ويأتي الاتفاق الجديد بعد أشهر من اندلاع صراع مسلّح بين باكستان والهند حول إقليم كشمير المتنازع عليه، وقد اعتُبر الصراع، الذي استمر أربعة أيام في ايار، بمثابة دفعة كبيرة للأسلحة الصينية الصنع، إذ يُقال إن المقاتلة الصينية J10-CE حققت أول انتصار لها في قتال جوي حقيقي بإسقاط طائرة أجنبية – وهي طائرة "رافال" فرنسية الصنع كانت تشغّلها القوات الهندية.
وبحسب وكالة رويترز، فقد أقرّ المسؤول السعودي الكبير، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، بوجود حاجة لموازنة العلاقات مع كل من باكستان والهند، وهما قوتان نوويتان أيضًا، وقال: “علاقتنا مع الهند أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى، وسنواصل تنمية هذه العلاقة، ونسعى للإسهام في إحلال السلام الإقليمي بكل السبل الممكنة”.
وردّت وزارة الخارجية الهندية على الاتفاق بالقول إنه يُضفي الطابع الرسمي على ترتيبات قائمة منذ فترة طويلة بين البلدين، وأضافت في بيان صدر الخميس: "سندرس تداعيات هذا التطور على أمننا القومي، وكذلك على الاستقرار الإقليمي والدولي".