تسارع التطورات الاقليمية والدولية يحبس الأنفاس. الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُعلن قبل اجتماع مرتقب مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ "لدينا فرصة حقيقية لتحقيق إنجازات عظيمة في الشرق الأوسط، وسننجح في إنجاز هذا الأمر"، وذلك بعد حصول "تقدّم كبير" في المحادثات حول خطة النقاط الـ21 التي طرحها ترامب. كما ان واشنطن تجمع كبار جنرالاتها بصورة استثنائية في البنتاغون هذا الأسبوع، بحضور ترامب، وسط ترقب لإجراءات أو قرارات جديدة.
أما على الصعيد الايراني، فقد تلقت الجمهورية الإسلامية جرعة قاسية من العقوبات الدولية التي بدأت حيز التنفيذ أمس الأحد بعد نحو عشر سنوات على رفعها بموجب الاتفاق النووي عام 2015.
وعلى الجبهة الداخلية اللبنانية التي تزعزعها العواصف والتغيّرات الاقليمية والدولية، فهي بدورها تترنح تحت وطأة الاختلافات السياسية الكثيرة والمتنوعة والتي تبدأ بقرار حصرية السلاح، وقانون الانتخابات النيابية، وبسط سلطة الدولة، ولا تنتهي مع "عاصفة صخرة الروشة" التي تهدد العلاقات السياسية والرسمية، ولا يزال جمرها متوهجا تحت الرماد، ويمكن أن يحرق كل الآمال في بناء الدولة.
إذا، لبنان البلد الصغير، والذي لطالما اعتبر ساحة مستباحة للدول المقرّرة، القريبة والبعيدة، الأكثر تأثرا بالقرارات والتطورات في منطقة الشرق الاوسط، وما يزيد في الطين بلّة أن أبناءه يختلفون فيما بينهم حتى على جنس الملائكة. ولعلّ ما قاله الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمين العام السابق حسن نصرالله خير دليل اذ شدد على "اننا لن نترك الساحات ولن نتخلى عن السلاح"، موجها أكثر من رسالة الى الحكومة التي دعاها الى وضع "بند السيادة الوطنية" على رأس جدول أعمالها والسعي لتحقيقه، معتبرا ان الحكومة ارتكبت خطأ بقرار نزع سلاح المقاومة وأطالبكم بتصحيحه.
تصعيد خطاب الحزب تصعيد ايراني
وفي ظل كل ما يجري من حولنا، لا بد من التوقف عند كلام قاسم في ظل هذه المرحلة المفصلية في المنطقة اذ اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي في حديث لموقع "وردنا" ان من الواضح ان خطاب حزب الله بدأ منذ فترة غير بعيدة يتصاعد على وقع التوترات التي تطبع علاقات إيران بالمجتمع الدولي، وتحديدا في مسألة ملفها النووي والعقوبات التي تم تجديدها في مجلس الأمن الدولي ومن قبل الترويكا الاوروبية في آن معا. وظهرت بصمات المبعوث الايراني أمين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني علي لاريجاني على مواقف حزب الله قبل غزوة الروشة وبعدها في خطاب قاسم. والجديد في هذا الخطاب طرح معادلة أو شعار جديد هو: "لن نترك الساح ولا السلاح". وهذا يعني أولا ان حزب الله بإسناد إيراني واضح، يتمسك بالساح أي عمليا بالميدان وبالجغرافيا وتحديدا المناطق التي يسيطر عليها. أما السلاح الذي لن يتخلى عنه، فهو كشف عن نفسه وعن عدم وجود وظيفة واضحة له لمجرد ان حزب الله وافق على إخلاء منطقة جنوب الليطاني من سلاحه ومسلحيه.
ورأى الزغبي انه "حين يترك المساحة التي كان يستخدمها بحجة مقاومة اسرائيل، يفقد الحزب عمليا مبرر وجود هذا السلاح شمال الليطاني امتدادا الى العمق اللبناني. في تاريخ المقاومات الوطنية للاحتلالات لا يوجد نموذج المقاومة بالمراسلة أي المقاوم عن بعد أو عبر المسافات. لا يستطيع حزب الله أن يدّعي انه سيقاوم اسرائيل بالصواريخ البعيدة المدى من مسافات بعيدة. هذا الاسلوب لا يمت بصلة الى المقاومة ولا الى مبدأ تحرير الارض. لذلك، فإن تصعيد خطاب الحزب هو فقط تصعيد ايراني مباشر ولا علاقة له بأي هدف لبناني داخلي الا اذا كان يخطط لحرب أهلية بحيث انه يدير سلاحه عن اسرائيل نحو الداخل، وهذا ربما ما تعبر عنه حادثة الروشة بإصراره على ضرب قرارات الدولة والانتقاص من هيبتها".
وشدد على ان "ايران لا توجه رسائلها الى الداخل اللبناني من خلال حزب الله. الحزب نفسه يوظف هذا الاسناد الايراني في حساباته الداخلية السياسية والامنية. أما ايران، فإنها تستخدم ورقة سلاح الحزب للضغط على الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا، وكذلك على العالم العربي كي تحقق هدفين: الاول، انقاذ نظامها المأزوم في الداخل وتجاه الخارج. ثانيا، رفع الضغوط الدولية وتحديدا الاميركية عن هذا النظام واستبدال الضغوط بمفاوضات مباشرة تسعى اليها طهران بهدف رفع العقوبات المالية والاقتصادية الخطيرة التي تتعرض لها. لذلك، تحاول أن تستخدم بعض الاوراق الاقليمية ومنها ورقة حزب الله، وكذلك في العراق واليمن، وتحاول في الآونة الاخيرة أن تتقرب وتتودد للمملكة العربية السعودية من خلال الزيارات والاجتماعات التي عقدت بين الطرفين سواء على هامش القمة العربية الاسلامية في الرياض أو في نيويورك. إذا، حسابات ايران تختلف عن حسابات حزب الله المنهمك الآن في ترتيب شؤونه الداخلية بينما هي منهمكة في انقاذ نظامها ورفع العقوبات عنه، ومحاولة نسج علاقات اقليمية سواء مع الخليج العربي أو مع محيطها الآخر من باكستان الى أذربيجان".
لحزب الله قراءة معكوسة لاتفاق الطائف
وعن الرسالة التي أراد قاسم ايصالها حين قال:"نطالب بتطبيق اتفاق الطائف الذي يدعو لتحرير لبنان واتخاذ كل الإجراءات لتحرير جميع أراضيه". في حين، كرّر رئيس الحكومة نواف سلام أكثر من مرة أن استعادة الدولة تبدأ بتطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف، لا سيما اللامركزية الموسّعة وحصر السلاح بيد الدولة. أوضح الزغبي لموقعنا ان لحزب الله قراءة معكوسة لاتفاق الطائف، ويحاول أن يغطي سلاحه بالقول ان اتفاق الطائف تحدث عن اجراءات لحماية لبنان. بمجرد ذكر عبارة كافة الاجراءات، يعتبر حزب الله ان بين هذه الاجراءات سلاحه أو مقاومته. وهذه مسألة مثيرة للاستغراب لأن الطائف تحدث بوضوح عن نزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية كما جرى عام 1991 مع الميليشيات الاخرى، وسلاح حزب الله هو جزء من هذه الميليشيات. ولم يستثن اتفاق الطائف سلاح حزب الله، ولم ترد فيه عبارة مقاومة. وكذلك، حين يستند حزب الله الى الشرائع الدولية وتحديدا الى ميثاق منظمة الامم المتحدة والمادة 51 من هذا الميثاق عن حقوق الدول في مقاومة الاحتلال، لا تتحدث هذه المادة عن قوى مسلحة غير شرعية انما تتحدث عن امكان أن تقوم أي دولة معتدى عليها أو احتلّت أراضيها، باتفاقيات ومعاهدات دفاع مع الدول الاخرى. ولم تتحدث عن قوى داخلية مسلحة. وفي حال وجدت، فإنها تكون تحت أمرة القوى الشرعية لهذه الدولة أي الجيش اللبناني في هذا السياق.
وأضاف:" الحاح وتكرار رئيس الحكومة نواف سلام مسألة تنفيذ كافة بنود اتفاق الطائف وتحديدا نزع سلاح الميليشيات وبسط سيطرة الدولة على سائر الاراضي اللبنانية، فإنه يستند الى نص واضح جدا ومحسوم بأن تسيطر الدولة الشرعية وحدها على الاراضي اللبنانية، وتحمي الحدود، وتدافع عن لبنان. وبين الموقفين، موقف حزب الله الذي يشوّه اتفاق الطائف وموقف رئيس الحكومة الذي يلتزم فعليا اتفاق الطائف، هناك فرق شاسع، وتناقض كبير.