على وقع الإيجابية التي هيمنت على المشهد الإقليمي في الساعات القليلة الماضية، مع قبول حركة "حماس" خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة والمباشرة بمفاوضات لتنفيذ بنودها، يترقب لبنان ترددات هذه المستجدات على الساحة الداخلية، إذ باتَ من الضروري الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف النار وبالتالي التركيز على حصرية السلاح بيد الدولة.
وفيما تشتد المخاوف من حرب وشيكة على لبنان، إذا ما بقيت المواقف على صلابتها لناحية ملف السلاح، تسعى الحكومة جاهدةً لتحقيق حلحلة ما على خط الأزمة، في سياق تراجع وتيرة التصعيد والولوج إلى حلّ يرضي المجتمعين المحلي والدولي على حد سواء تجنباً لأي مستجد قد يورط لبنان ويعيد شبح الحرب المدمرة.
وفي تطور لافت مساء أمس، سلّم الفنان فضل شاكر نفسه لدورية من مخابرات الجيش اللبناني على مدخل مخيم عين الحلوة في صيدا، ليصار إلى محاكمته أمام المحكمة العسكرية في التهم المنسوبة إليه في أحداث عبرا.
خطة الجيش على طاولة الحكومة مجدداً
على خط مواز، تتجه الأنظار إلى جلسة مجلس الوزراء المقرر عقدها يوم غد الاثنين والتي ستبحث في عشرة بنود مطروحة على جدول الأعمال لمناقشتها، وأهمها عرض تقرير قيادة الجيش حول الخطوات التي اتخذها لحصرية السلاح.
أما البنود الأخرى فتتمحور حول الإجراءات التي اتخذتها النيابة العامة التمييزية في مسألة "الروشة"، كما يقدم وزير الداخلية احمد الحجار طلبا لحل الجمعية اللبنانية للفنون (رسالات) وسحب العلم والخبر منها لمخالفتها كتاب محافظ بيروت ومخالفتها نظامها الداخلي في البند الثاني.
حماية لبنان أولوية
ولفتت مصادر مراقبة إلى أنَّ قائد الجيش سيعرض في الجلسة الحكومية يوم غد الاثنين البنود التي أنجزت كما تلك التي لم تنجز بعد، والصعوبات التي تواجه عمل المؤسسة العسكرية على هذا الصعيد.
وأشارت المصادر عبر "الأنباء" الإلكترونية إلى أنَّ التعويل يصب في إطار تحقيق أي تقدّم من حيث النقاط المحددة في الخطة، إذ إنَّ الهدف ليس استهداف أيّ جهة بل حماية لبنان وسيادته من مآلات حرب موسعة جديدة.
حزب الله" يرفع السقف
في إطارٍ متصل، لا يزال "حزب الله" على موقفه المتصلب لناحية ملف حصرية السلاح، حيث رفع عبر مواقف نوابه سقف التحدي، في ظل التهديد باجراءات سياسية رداً على قرار الحكومة في حال إقرار سحب ترخيص جمعية "رسالات".
قاسم: الجيش تصرف بحكمة
تزامناً، رأى الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أنَّ الدولة مسؤولة عن ضبط تمادي إسرائيل في خروقاتها، لافتاً إلى أنَّ العدو كان يسعى لخلق فتنة داخلية بين الجيش والمقاومة، تحت شعار حصرية السلاح، إلاَّ أن قيادة الجيش تصرفت بحكمة.
خطة ترامب بين مؤيد ومعارض
إلى ذلك، واكبت خطة ترامب سلسلة مواقف بين ترحيب واعتراضات على مضمونها باعتبار أنها تخدم مشروع إسرائيل الكبرى، فيما أقرَّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعرضه لضغط كبير من داخل اسرائيل وخارجها لوقف الحرب، متوعداً بتفكيك سلاح حماس وجعل القطاع خالياً من السلاح عبر الاتفاق أو بطريقة عسكرية.
وفي معرض تعليقه على الخطة، قال قاسم: يكفي أن الخطة الأميركية كانت بصيغة عرضت مع الدول العربية وأجريت عليها تعديلات تناسب إسرائيل بالكامل بما يؤدي إلى مشروع إسرائيل التي ستحصل عليه بالسياسة وما عجزت عنه بالحرب، مشيراً إلى أنَّها تريد تجريد المقاومة من عناصر قوتها وهي خطة إسرائيلية بلبوس أميركي.
وإذ أكد قاسم أن لا يمكن فصل ما يحصل في غزة عما يحصل في لبنان وسوريا والعراق وإيران وقطر، شدد على أن الحزب ينتظر النتيجة التي يصل إليها الفلسطينيون في متابعة الخطة.
خطوة إيجابية ولكن!
من جهته، لفتَ الصحافي علي حمادة إلى أنّه يمكن اعتبار إعلان وقف النار الأميركي في غزة بمثابة خطوة إيجابية إذا ما تحققت بأكملها، من دون أي مفاجآت سيئة، علماً أن الأضرار والخسائر ضخمة والفاجعة هائلة، لكن لا بد من إيقاف هذا الشلال من الدماء والدمار ومن الكوارث الانسانية التي قلما شهدناها في مسافة المئة عام الأخيرة.
حمادة أكّد في حديث لـ"الأنباء" الإلكترونية أنَّ الأهم تنفيذ الاتفاق، إذ ان هناك مفاوضات جارية في الوقت الحاضر للتنفيذ، ويبدو أن هذه المفاوضات التنفيذية تتعرض لضغط كبير بهدف منع اسرائيل من محاولة استغلال أي نقطة تعيد تفجير الوضع، وفي الوقت عينه، فإن الضغط كبير من جهة اسرائيل على حركة "حماس" عبر الوضع الإنساني في قطاع غزة مما يقلص الهوامش الى أقصى حد في ما يتعلق بقدرة الحركة والفصائل في التنصل من الاتفاق.
اتفاق لا ينهي حماس؟
ورأى حمادة أنَّ الاتفاق اذا ما نفذ بحذافيره فهو ينهي وجود حماس العسكري في قطاع غزة، إنما أنه لا ينهي تنظيم حماس أو جودها كفكرة أو توجه سياسي، فالأهم أن نص الاتفاق لا يسمح لاحتلال اسرائيلي دائم في الأفق ولا تغيير للديمغرافيا، وهو يشمل إعادة الاعمار وحق الشعب الفلسطيني في الحياة والارض، ويعد مسعى لتغيير هذا الوضع المأسوي.
"الأهم من كل ما سبق أن تنجح هذه المحاولة"، وفق ما يشير حمادة، لافتاً إلى أنّها تلاقي الشروط الاسرائيلية بمعظمها، لكن لم يعد هناك من مفر امام الحركة والفصائل الفلسطينية اذ ان موازين القوى حتى الآن لم تتغير وهي في لا تصب في صالح الفصائل.
لبنان على حافة الهاوية
في لبنان، الموضوع شائك أكثر، حسب ما يرى حمادة، اذ إنّ الخروقات الاسرائيلية دائمة ونحن في وضعية معلقة، ويضيف أن حزب الله يرفض تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، واسرائيل ترفض ايقاف انتهاكاتها للاتفاق وبالتالي نحن أمام معادلة خطرة للغاية، حيث ان الطرفين يمنحان بعضهما الذرائع بهدف اللعب على حبل رفيع، وبالتالي نحن على حافة الهاوية ما لم يتم تدعيم اتفاق وقف الأعمال العدائية بخطوات عملية وأهمها البدء بتنفيذ اسرائيل لمجموعة تعهدات أولها وقف الضربات والخروج من النقاط الخمس، وإطلاق سراح الأسرى.
لا ذريعة للسلاح
ووفق حمادة، فإنَّ المشكلة الاساسية تكمن في ان لم تعد هناك اي ذريعة لبنانية للتعايش مع وضعية السلاح اذا ان موازين القوى واضحة وهي تفرض تسليم السلاح للدولة وانخراط المجموعات المسلحة في العمل السياسي لان العمل العسكري سيجر حرباً جديدة على لبنان.