اعتبر البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي أنّ "المسبحة هي الطريق الذي يقودنا دومًا إلى هذا الصليب، وإلى المسيح القائم من بين الأموات. فالوردية هي مدرسة التأمل في أسرار الفرح والألم والمجد والنور. ونحن في شهر تشرين الأول المكرّس للوردية، نتذكر دعوة العذراء الدائمة في ظهوراتها في لورد وفاطيما: "صلّوا المسبحة، صلّوا المسبحة، من أجل التوبة، وعودة الخطأة، ووقف الحروب، وبسط السلام".
وقال الراعي في عظة قداس "أحد الوردية" في الديمان: "نلتقي اليوم في هذا العيد المبارك، عيد سيدة الوردية، حيث نجتمع معًا في الديمان لنختم الصيفية بالصلاة والشكر، ولنفتتح شهرًا جديدًا من التأمل والصلاة. هو يوم ترحيب ووداع في آن واحد: نرحّب بكم جميعًا، ونودّع الصيفية بروح الرجاء بلقاءات جديدة في المستقبل"، متوجّهاً إلى الحضور بالقول: "وجودكم هنا علامة محبة وإيمان، وعيد الوردية هو فرصة لنضع كل قلوبنا بين يدي العذراء مريم، أمّنا وشفيعتنا، التي ترافقنا في مسيرتنا الإيمانية والوطنية. وأخصّ بالتحية كل الحاضرين من أبناء هذه البلدة العزيزة الديمان، وكل الحاضرين".
وتابع الراعي عظته قائلاً: "لنتوقف هنا عند البابا القديس يوحنا بولس الثاني، الذي جعل من المسبحة محور حياته وسر قداسته. لقد كان يرى في الوردية مفتاح التأمل في سر المسيح. وفي رسالته “Rosarium Virginis Mariae”، دعا الكنيسة كلها إلى تلاوة الوردية لأنها صلاة بسيطة وقوية في آن واحد. لم يكتفِ بالتمسّك بأسرارها الثلاثة التقليدية، بل أضاف إليها “أسرار النور”، ليجعلها أكثر اكتمالًا في التأمل بحياة المسيح.
لم تكن المسبحة بالنسبة إليه مجرد صلاة إضافية، بل قلب حياته اليومية. يروي المقربون منه أنه لم ينم يومًا دون أن يتلو مسبحته، حتى أن آخر أيام حياته كانت مغموسة بتلاوتها. وعندما زار لبنان سنة 1997 والتقى الشباب، كانت المسبحة في يده؛ وعندما غادرنا إلى السماء، كانت المسبحة رفيقته الأخيرة. لذلك يمكننا القول إن الوردية كانت سر حياته، محور قداسته، وسلاحه الروحي في مواجهة الألم والموت. وهو القائل: "مسبحة الوردية هي مدرسة التأمّل في المسيح مع عينيّ مريم".
وأكد أنّ "لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى صلاة الوردية. في زمن الأزمات والانقسامات والضياع، نحن مدعوون لأن نلتفت إلى مريم ونرفع المسبحة من أجل وطننا"، مضيفاً: "المسبحة الوردية، في أبعادها الروحية والكنسية، هي أيضًا رسالة وطنية. فهي سلسلة من الحبات التي يجمعها خيط واحد، كما يجمع وطننا أبناءه المختلفين والمتنوعين. إذا انقطع الخيط، تفرط الحبات وتتبعثر. لكن حين يبقى الخيط متينًا، تبقى الحبات مترابطة وتكوّن عقدًا واحدًا جميلاً. هكذا هو لبنان: إذا تماسك أبناؤه بالإيمان والوحدة، يبقى وطنًا مزدانًا بالمحبة؛ وإذا تفكك، ضاع عقده وتلاشى جماله".
وقال: "في المسبحة أيضًا نجد الخلاص. فمن يتأمل أسرارها يعيش معنى التضحية والرجاء. كما أن أسرار الألم تسبق دائمًا أسرار المجد، هكذا لبنان: يعيش آلامًا وأزمات، لكنه مدعو أن ينهض إلى مجد جديد، شرط أن يصبر ويثبت ويضع ثقته بالرب".
ولفت الراعي إلى أنّ "صلاة الوردية هي سلاحنا الروحي ضد اليأس والانقسام. إنها صرخة في وجه الحروب الداخلية والخارجية، ونداء للوحدة والسلام. مريم سيدة الوردية تعلّمنا أن السلام يبدأ من القلب، ثم من العائلة، ثم من الوطن، ليصل إلى العالم كله. لذلك نقول: بالمسبحة، هناك الأمل، وبالمسبحة، هناك الخلاص"، مضيفاً: "في هذا العيد المبارك، نرفع صلاتنا من أجل كل واحد وواحدة منكم، ومن أجل لبنان الحبيب. نطلب من العذراء أن تزرع في قلوبنا الرجاء، وأن تحفظ وطننا من الشر والانقسام".
وقال الراعي في القداس: "بعد ختام هذه الذبيحة الإلهية، سندعوكم مباشرة لتلاوة المسبحة الوردية معًا، كي يكون هذا العيد بداية لمسيرة صلاة طوال هذا الشهر المبارك، فنضع وطننا وعائلاتنا بين يدي العذراء مريم، واثقين أنها لن ترد لنا طلبًا.لتكن المسبحة الورديّة رفيقة دربنا، وسلاحنا الروحي، وجسر عبور إلى السّماء. فنرفع المجد والتسبيح مع مريم للثالوث القدوس الذي اختارها، الآن وإلى الأبد".