دولي آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

استقالة مفاجئة.. فصل جديد من أزمة الحكم تعصف بفرنسا

استقالة مفاجئة.. فصل جديد من أزمة الحكم تعصف بفرنسا

قدّم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو استقالته واستقالة حكومته يوم الاثنين، بعد أقل من 12 ساعة من إعلان تشكيل حكومته الجديدة، ليُسجّل بذلك فصلًا جديدًا من أزمة الحكم التي تعصف بفرنسا منذ الانتخابات المبكرة عام 2024.

وكان ليكورنو (39 عامًا)، وزير الدفاع السابق وأحد أبرز حلفاء الرئيس إيمانويل ماكرون، خامس رئيس وزراء يُعيَّن منذ إعادة انتخاب ماكرون في 2022، وثالث من يغادر المنصب منذ حلّ البرلمان في صيف 2024.

وكان ليكورنو قد عين رئيساً للحكومة منذ 27 يوماً فقط، وأمس فقط أعلن عن تشكيل الحكومة رسمياً، وبعد مرور 12 ساعة من الإعلان الرسمي تقدم ليكورنو باستقالته وحكومته في خطوة فاجأت الأوساط السياسية والاقتصادية وأدخلت فرنسا في مرحلة جديدة من الاضطراب السياسي، لتصبح حكومته الأقصر عمراً في تاريخ البلاد الحديث.

وأرجع ليكورنو قراره إلى الجمود السياسي والتعنت الحزبي، قائلاً: "كنت مستعدًا للتنازل، لكن كل حزب أراد من الآخرين تبنّي برنامجه كاملًا… المواقف الحزبية وبعض الغرور جعلت النجاح مستحيلًا".

انعكاسات فورية على الأسواق

أثار إعلان الاستقالة قلقاً في الأسواق المالية، حيث انخفض مؤشر "كاك 40" للأسهم بنسبة 2%، وتراجع اليورو 0.7% أمام الدولار. وتواجه فرنسا أصلًا عبئًا ماليًا ثقيلًا، إذ يبلغ دينها العام نحو 110% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من الأعلى في الاتحاد الأوروبي بعد اليونان وإيطاليا، مع عجز في الموازنة يُقدّر بـ6%.

لماذا حدثت الأزمة؟

تعود جذور الأزمة إلى الانتخابات التشريعية المبكرة عام 2024 التي أفرزت برلمانًا منقسمًا إلى ثلاث كتل متقاربة: اليسار، اليمين المتطرف، وتحالف الوسط بزعامة ماكرون، ما جعل الحكم مستحيلاً دون توافق واسع.

وزاد المشهد تعقيدًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2027، إذ لا يمكن لماكرون الترشح مجددًا، بينما تحاول الأحزاب الرئيسية تعزيز مواقعها استعدادًا للاستحقاق، وفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

واجه ليكورنو مهمة شبه مستحيلة لتمرير ميزانية تقشفية تهدف إلى خفض العجز المالي، وهي الخطة نفسها التي أسقطت سابقيه فرانسوا بايرو وميشيل بارنييه بعد معارضة البرلمان لها.

ويرى مراقبون أن ردّ فعل حزب الجمهوريين (LR) كان القشة التي قصمت ظهر الحكومة، بعدما انتقد الحزب تشكيلة الحكومة الجديدة ووصفها بأنها استمرار لنهج ماكرون، لا "قطيعة" معه كما وُعِد.

وواجهت التشكيلة الجديدة هجومًا من مختلف الأطياف السياسية: اليمين رآها "غير يمينية بما يكفي"، بينما اتهمها اليسار بالانحياز لرجال الأعمال. كما أثار تعيين برونو لو مير – وزير الاقتصاد السابق – في منصب وزير الدفاع غضبًا واسعًا واعتُبر دليلًا على أن سياسات ماكرون الاقتصادية خطّ أحمر لا يُمسّ.

ماذا بعد؟

استقالة ليكورنو فتحت أمام الرئيس ماكرون ثلاثة خيارات صعبة، جميعها محفوفة بالمخاطر:

تعيين رئيس وزراء جديد، لكن أي خيار سيثير اعتراضات: فالمقرّبون من معسكره يفتقرون إلى الشرعية، واليساريون سيرفضون إصلاحاته الاجتماعية، أما اليمينيون فسيطالبون بتغييرات جذرية.

ويرجّح محللون أن ماكرون قد يلجأ إلى تعيين شخصية تكنوقراطية محايدة لتمرير الميزانية وتجنب المواجهة المباشرة.

حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة، وهو خيار محفوف بالمجهول؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن أي انتخابات جديدة قد تعيد إنتاج الانقسام الحالي وربما تمنح اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان مكاسب أكبر.

الاستقالة، وهو احتمال نادر جدًا، وقد استبعده ماكرون مرارًا، مؤكدًا عزمه على البقاء حتى نهاية ولايته في 2027، وهي انتخابات يُنظر إليها على أنها محطة مصيرية في مستقبل فرنسا السياسي، خصوصًا مع اقتراب لوبان من فرصة تاريخية لتولي السلطة.

باختصار، تُظهر استقالة ليكورنو أن الأزمة السياسية الفرنسية تجاوزت الأفراد إلى البنية نفسها، برلمان منقسم، اقتصاد متعثر، وثقة شعبية متآكلة، لتضع فرنسا أمام مأزق حكم غير مسبوق في عهد الجمهورية الخامسة.

يقرأون الآن