مقالات

فرض خوات في الدورة والكولا.. "وردنا" يكشف تفاصيل مافيات على الطرقات اللبنانية: هكذا تُدار اللعبة!

فرض خوات في الدورة والكولا..

تحوّل النقل بالفانات في لبنان من وسيلة شعبية يعتمد عليها آلاف اللبنانيين يوميًا، إلى قطاع فوضوي تسوده المنافسة العشوائية والممارسات الخارجة عن القانون، وصولًا إلى ظهور كارتيلات مافيوية تتحكم بالخطوط والسائقين والركاب على حد سواء.

من طرابلس وجبيل الى نهر الموت، من الدورة إلى الكولا، ومن صيدا إلى شتورا، المشهد واحد. فانات تتسابق على الطرقات بسرعة جنونية، سائقون يصرخون لاستقطاب الركاب، وركّاب يجلسون على أعصابهم خوفًا من حادث. هذا السباق اليومي على الرزق، حوّل الطرقات إلى ساحات خطر دائم، فيما الدولة تكتفي بالمشاهدة.

أحد الركاب يقول لموقع "وردنا": "منخاف من الفان أكتر من الحرب. السواقين بيتسابقوا متل المجانين، وإذا اعترضت بيقلك نزِل”. كلامه يلخّص معاناة الناس مع سائقي فانات فقد بعضهم السيطرة النفسية، والبعض الآخر ببساطة "مش راكب على عقله".

غياب الفحوص النفسية والرقابة الجدية على السائقين زاد الطين بلّة، فصار الركاب رهائن مزاجية ونفسية السائقين.

أما من الناحية الاقتصادية، فتسعيرة الفان أصبحت فوضى بحد ذاتها. تتراوح بين 100 ألف و300 ألف ليرة بحسب الخط والمنطقة وعدد الركاب، من دون أي تسعيرة رسمية أو رقابة فعلية من الدولة. يبرر السائقون ذلك بارتفاع أسعار البنزين وقطع الغيار، لكن الركاب يرون أن كثيرين منهم يرفعون الأسعار كيفما يشاؤون، بلا أي مبرّر واضح.

غير أن الظاهرة الأخطر على الإطلاق تبقى ظهور كارتيلات النقل. في بعض المناطق كالدورة والكولا، برزت شخصيات تتولى "تنظيم" الركاب، تجمعهم وتوزعهم على الفانات مقابل بدل مالي يدفعه السائق يوميًا. من يمتنع عن الدفع، يُعاقَب فورًا؛ خلع "مراية"، تكسير زجاج، أو تهديد مباشر.

أحد السائقين قال لموقع "وردنا": "صرنا عم ندفع خوّة كرمال ما يخربولنا الفان. ما حدا بيسترجي يعترض لأن في ناس وراهم مافيات". هكذا، تحوّل النقل العام إلى سوق خاضع لقوانين العصابات بدلًا من القوانين الرسمية، والسائقون باتوا بين نار الحاجة ونار التهديد.

ويشير الواقع إلى أن نسبة الفانات المرخّصة لا تتجاوز 10 إلى 15% فقط من السوق، بينما الباقي يعمل بشكل عشوائي وغير منظم. ويُقدّر عدد السائقين في القطاع بين 20 و30 ألف سائق، معظمهم يعتمد على الفان كمصدر رزق أساسي، ما يجعله قطاعًا غير رسمي ضخم يدور فيه كاش خارج رقابة الدولة بعد الأزمة الاقتصادية.

إيجابيًا، ساهمت الفانات في الحفاظ على حركة الناس بالرغم من أزمة البنزين، وقد وفّرت وسيلة تنقل مهمة لمئات آلاف اللبنانيين يوميًا، خصوصًا في المناطق التي لا تصلها وسائل النقل العامة الأخرى. لكن السلبيات واضحة: ازدحام مستمر، زيادة التلوث، مخاطر أمنية، ومظاهر فوضى في بعض المناطق بسبب غياب الضوابط الرسمية.

في المقابل، لا مؤشرات على أي تحرك جدي من الوزارات المعنية أو البلديات، رغم أن المشكلة خرجت عن إطار التنظيم إلى مشكلة أمنية ومعيشية تمسّ حياة الناس وسلامتهم اليومية.

الخبراء يؤكدون أن الحل يبدأ من تنظيم شامل لقطاع النقل العام، عبر توحيد التسعيرة، فرض رخص قيادة مهنية وفحوص نفسية إلزامية، وضبط النقاط السوداء التي تتحكم فيها العصابات، ووضع آليات لمنع استغلال السائقين والركاب من قبل الكارتيلات.

إلى أن يحصل ذلك، ستبقى الفانات في لبنان تسير وفق قاعدة واحدة: من يصرخ أولًا يربح الزبون، ومن يرفض دفع الخوة... يخسر المراية.

يقرأون الآن