تبدو المنطقة وكأنها تلتقط أنفاسها بعد شهور طويلة من الدمار في غزة. المدافع صمتت، والحدود هدأت، لكن ما من أحد يجرؤ على القول إنّ الحرب انتهت فعلاً. فالمشهد السياسي أكثر توتراً من الميدان، والقلق يسكن تصريحات القادة أكثر مما يسكن الملاجئ. وسط هذا المناخ، جاء خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الكنيست الإسرائيلي ليعيد لغة القوة إلى الواجهة، في لحظة كانت تحتاج إلى شيء من التعقّل لا إلى مزيد من التصعيد.
ترامب قال بلهجة واثقة: "لن نذهب إلى الحرب، لكن في حال ذهبنا إليها فسنربحها كما لم يفعل أحد سابقاً. سنطبق السلام من خلال القوة، ولدينا أسلحة لم يحلم بها أحد، وآمل ألا نضطر لاستخدامها". كلمات تحمل دلالات استراتيجية تتجاوز غزة وحدودها. فبينما يبدو الحديث موجهاً للداخل الإسرائيلي وللرأي العام الأميركي، فإنه في الوقت نفسه يشكل تحذيراً صريحاً لكل من قد يفكر بتوسيع دائرة الصراع، وأبرزهم حزب الله في لبنان، الذي يراقب التطورات عن كثب ويوازن بين قدراته والواقع الإقليمي الجديد.
الرسالة الموجهة إلى لبنان أكثر من مجرد تهديد لفظي؛ فهي تعكس إدراك واشنطن وإسرائيل لحساسية الحدود الشمالية وخطر تحول أي شرارة صغيرة إلى مواجهة واسعة. خطاب ترامب، الذي يربط السلام بالقوة، يضع حزب الله أمام معادلة واضحة: التراجع عن أي تحرك قد يُفسّر على أنه تصعيد، أو مواجهة الردع الأميركي والإسرائيلي المباشر. في الوقت ذاته، يحاول الرئيس الأميركي تثبيت صورة الولايات المتحدة كقوة لا يمكن تحديها، تراقب كل تحركات محور المقاومة وتحافظ على التفوق العسكري والسياسي في آن واحد.
على المستوى السياسي، الخطاب يفتح باب النقاش حول ما بعد غزة. بينما تعلن إسرائيل عن انتهاء الحرب، يذكر ترامب أن الهدوء المؤقت ليس ضماناً للاستقرار، وأن أي تحرك خارج إطار القوة الأميركية قد يواجه رداً حاسماً.
لبنان، الذي لطالما كان ساحة للاختبار الاستراتيجي بين محور المقاومة وإسرائيل، يجد نفسه الآن في قلب معادلة الردع الجديدة، حيث السياسة والعسكرية مترابطة بشكل لم يسبق له مثيل في مراحل سابقة.
في هذا السياق، يبدو أن كل تصريحات ترامب ليست مجرد كلام، بل رسائل مزدوجة للداخل والخارج، تهدف إلى تثبيت موقع الولايات المتحدة وإسرائيل، وفرض حدود واضحة على حزب الله وإيران وكل من يفكّر بتغيير المعادلة في الشمال.
الحرب ربما انتهت، لكن كلمات ترامب أعادت التذكير بأنّ المنطقة ما زالت فوق بركان. فحين يُبنى السلام على الخوف، لا على العدالة، يبقى كلّ اتفاق هشاً، وكلّ تهدئة قابلة للانهيار في لحظة. لذلك، يمكن القول إنّ أخطر ما في كلام ترامب ليس وعد النصر، بل إيمانه بأنّ القوة وحدها كفيلة بصنع السلام. وهذه بالضبط هي الفكرة التي جعلت الشرق الأوسط يعيش منذ عقود بين حربٍ لم تنتهِ، وسلامٍ لم يبدأ بعد.