أعلن مجلس الوزراء المصري عن تطوير حديقة المسلة الواقعة على ضفاف نهر النيل في قلب القاهرة، والتي تعتبر من أعرق الحدائق التراثية في البلاد، إذ يعود تاريخ إنشائها إلى أكثر من 150 عاماً.
وأكدت الحكومة، الجمعة، أن أعمال التطوير راعت الحفاظ على الأشجار والنباتات التاريخية النادرة التي تميز الحديقة، مع إضافة أنواع جديدة منها، لتستعيد الحديقة بريقها ورونقها الطبيعي، وتصبح من أجمل المساحات الخضراء في العاصمة.
تعد حديقة المسلة من أبرز الحدائق التي أُنشئت ضمن مشروع القاهرة الخديوية، الذي أطلقه الخديو إسماعيل عقب زيارته إلى باريس عام 1867. وكَلف المهندس الفرنسي هاوسمان، "مصمم تخطيط باريس الحديثة"، بوضع المخطط العمراني للعاصمة المصرية، لتكون مدينة عصرية تجمع بين الأصالة والتطور.
فيما سُميت بهذا الاسم نسبة إلى المسلة المصرية القديمة التي كانت قائمة بها، وهي رمز للحضارة العريقة وركيزة أساسية في تاريخ الفن المعماري الفرعوني.
"عنصر جمالي وبصري مؤثر"
في السياق، أوضح الباحث في علم التاريخ، سامح الزهار، لـ"العربية.نت/الحدث.نت"، أن حديقة المسلة التراثية نموذج فريد يجمع بين الأثر والتاريخ والطبيعة، فهي ليست مجرد مساحة خضراء وسط النسيج العمراني المكتظ في قلب القاهرة، بل نقطة ارتكاز حضارية وثقافية تستحضر ذاكرة المدينة عبر العصور.
وبيّن الزهار أن المسلة الأثرية التي تتوسط الحديقة هي القطعة المحورية في هذا الموقع، وهي عبارة عن عمود من الغرانيت منحوت بدقة هندسية على شكل مجسم رباعي الأضلاع ينتهي بهرم صغير، وتحمل على جوانبها نقوشاً هيروغليفية دقيقة توثق أسماء الملوك والأسر الحاكمة والطقوس الدينية، ما يجعلها "نصاً حجرياً أيقونياً" يروي تاريخ الدولة القديمة التي تنتمي إليها، ويمنح المكان قيمة علمية وتاريخية استثنائية.
"رئة خضراء في قلب المدينة"
كما أضاف أن المسلة تمثل أيضاً عنصراً جمالياً وبصرياً مؤثراً، حيث يفرض ارتفاعها وشكلها الهندسي حضوراً مهيباً على المشهد العمراني المحيط، مردفاً أنه جرى نقلها وإعادة توطينها داخل الحديقة وفق معايير متحفية وتجميلية دقيقة تهدف إلى دمج الموروث الأثري في الوعي العام للمدينة الحديثة، في إطار ما يُعرف علمياً بـ"مفهوم توطين الأثر".
كذلك لفت إلى أن الحديقة المحيطة بالمسلة بمثابة رئة خضراء في قلب المدينة، توفر خدمات بيئية أساسية تسهم في تحسين جودة الهواء وتلطيف المناخ والتخفيف من ظاهرة "الجزيرة الحرارية الحضرية"، إلى جانب كونها مساحة عامة مفتوحة لجميع فئات المجتمع، تتيح فرصاً للتفاعل الاجتماعي والثقافي وتعزز الإحساس بالانتماء والهوية الوطنية.
"عنصر من عناصر التراث العمراني المسجل"
من جانبها، صرحت أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة، سهير زكي حواس، لـ"العربية.نت/الحدث.نت"، أن إحياء حديقة المسلة والحدائق التراثية بشكل عام خطوة بالغة الأهمية لا تقل شأناً عن أعمال تطوير المباني والمناطق التاريخية، مشددة على أن هذا الاتجاه يأتي ضمن رؤية الدولة لإعادة إحياء القاهرة الخديوية واستعادة بريقها العمراني والحضاري.
وأوضحت حواس أن الحدائق التراثية تمثل جزءًا أصيلاً من نسيج المدينة التاريخي، فهي ليست مجرد مساحات خضراء، بل عنصر من عناصر التراث العمراني المسجل، لما تحمله من قيمة بيئية وجمالية تمنح العاصمة توازناً بصرياً وبيئياً وسط زحامها العمراني.
فيما ختمت قائلة إن الحدائق التاريخية تخضع لاشتراطات دقيقة للحماية، طبقاً للقانون 119 لسنة 2008، شأنها شأن المباني والمناطق الأثرية والتراثية، مؤكدة أن هذه الحدائق تحمل رمزية في ذاكرة القاهرة المعمارية، ويجب تطويرها بأسلوب يحافظ على ملامحها الأصلية ويبرز طابعها التراثي الفريد، لتظل شاهداً حياً على هوية مدينة القاهرة وتاريخها.