أثار تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رجل الأعمال من أصل عراقي مارك سافايا، مبعوثاً خاصاً إلى العراق، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والأمنية داخل البلاد، لما يحمله القرار من دلالات على توجه أميركي جديد للتعامل المباشر مع الملف العراقي، بعيداً عن القنوات الدبلوماسية التقليدية.
ويأتي القرار بعد مشاركة ترامب في “قمة شرم الشيخ للسلام”، وتصريحاته المثيرة التي قال فيها إن "العراق يمتلك الكثير من النفط لكنه لا يعرف كيف يستثمره"، وهذه إشارة إلى عودة الاهتمام الأميركي المكثف بالثروة النفطية العراقية، وربطها بمسار التحركات المقبلة في المنطقة.
ومارك سافايا، البالغ من العمر 40 عاماً، هو رجل أعمال أميركي من أصول عراقية كلدانية، وُلد في بغداد وهاجر إلى الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي.
يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركتي “Future Grow Solutions” و“Leaf & Bud” في ولاية ميشيغان، وهما من أبرز الشركات العاملة في زراعة وتوزيع القنب الطبي والترفيهي بشكل قانوني في الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن خلفيته التجارية المثيرة للجدل، وولاءه السياسي الواضح لترامب، فضلًا عن أصوله العراقية تمنحه، من وجهة نظر واشنطن، مدخلاً مرناً لفهم المشهد المحلي وتعقيداته الأمنية والسياسية.
مراقبة دقيقة
قال الباحث في الشؤون الأمنية عبدالغني الغضبان، إن "السياسة المتبعة من قبل ترامب تختلف جذرياً عن نهج الرؤساء الأميركيين السابقين، إذ يعتمد الآن على إرسال مبعوثين خاصين في الشرق الأوسط بدلاً من السفارات التقليدية، وهو ما حدث في لبنان وسوريا والعراق”.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "تعيين مبعوث خاص للعراق يحمل إشارتين واضحتين؛ الأولى هي مراقبة دقيقة لعلاقة بعض الأطراف العراقية مع إيران، سواء عبر تهريب الدولار أو خلط النفط الإيراني بالعراقي، والثانية تتعلق بمتابعة مسار الانتخابات المقبلة ومدى تأثير القوى الموالية لطهران على القرار العراقي”.
وأوضح الغضبان أن "العراقيين إذا أرادوا فعلاً إقامة علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة فعليهم استثمار وجود هذا المبعوث لتحقيق توازن حقيقي في علاقاتهم الإقليمية، أما في حال تجاهله فسيُستخدم دوره لتضييق الخناق على الاقتصاد والسياسة في العراق”.
بدوره، رأى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري أن "تعيين ترامب ممثلاً خاصاً له في العراق، مارك سافايا، وهو أميركي مسيحي كلداني من أصول عراقية، يُعد اعترافاً بأن الوضع في العراق غير طبيعي ويحتاج إلى إجراءات خارج الأطر الدبلوماسية المعتادة لتصحيح المسار المضطرب".
وبحسب شبكة فوكس نيوز الأميركية، فإن تعيين مارك سافايا يأتي في إطار خطة ترامب لتوسيع اتفاقيات أبراهام وضم دول جديدة إليها من بينها العراق، مشيرةً إلى أن "سافايا يتمتع بعلاقات إقليمية واسعة، ويتوقع أن يلعب دوراً محورياً في تمهيد الطريق أمام تحقيق مصالح الولايات المتحدة وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط".
ويرى مراقبون أن التحرك الأميركي الجديد يعيد العراق إلى مركز التفاعل الإقليمي في ظل تصاعد النفوذ الإيراني، واحتمال توظيف سافايا كحلقة اتصال مباشر لإعادة هندسة التوازنات الداخلية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، يتوقع أن يتحول المبعوث الجديد إلى عنصر ضغط سياسي وأمني في مواجهة الميليشيات المسلحة، بما ينسجم مع توجه ترامب المعلن نحو مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
من جهته، يرى الباحث السياسي عماد محمد أن “الولايات المتحدة، من خلال تعيين مارك سافايا، ترسل رسالة مزدوجة، الأولى للفصائل المسلحة التي توسع نفوذها في الداخل العراقي، والثانية للحكومة العراقية التي تواجه اختباراً صعباً بين واشنطن وطهران”.
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن “واشنطن باتت ترى أن نفوذ الميليشيات تجاوز الخطوط الحمراء، وهي تسعى عبر مبعوثها الجديد إلى إعادة ضبط إيقاع العلاقة الأمنية والاقتصادية، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية، وما تمثله من فرصة لإعادة تشكيل التحالفات السياسية”.
ومنذ أشهر، تكثف واشنطن ضغوطها على الفصائل والميليشيات العراقية المرتبطة بإيران، في إطار سياسة ممنهجة تستهدف تقليص نفوذها داخل مؤسسات الدولة والاقتصاد، حيث أدرجت وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً 4 فصائل عراقية على لائحة العقوبات، من بينها كتائب حزب الله وحركة النجباء، إلى جانب قيادات مالية وشخصيات تعمل في غسيل الأموال وتهريب النفط.