في فجر يوم الأحد الماضي، دوّى خبر مأساوي هزّ الشارع اللبناني: مقتل الشاب إيليو أبو حنّا (24 عاماً) داخل مخيم شاتيلا برصاص أُطلق عليه أثناء اجتيازه إحدى نقاط التفتيش التابعة للفصائل الفلسطينية.
تحولت قصته إلى حديث البلد، وتصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أصبح رمزاً جديداً لفوضى السلاح التي تطال أرواح الأبرياء.
وبحسب الروايات المتداولة، كان أبو حنّا يقود سيارته قادماً من منطقة بدارو في بيروت متوجهاً نحو شمال المتن، قبل أن يضلّ الطريق ويدخل بالخطأ إلى مخيم شاتيلا.
وعند المدخل الشرقي للمخيم، حيث كانت تتمركز نقطة تفتيش تابعة لجهة أمنية فلسطينية، لم يتوقف عندما طُلب منه ذلك. ففتح عناصر الحاجز النار باتجاه السيارة، ما أدى إلى اصطدامها بمبنى قريب وإصابة السائق بطلق ناري أودى بحياته لاحقاً. وأظهرت التحقيقات أن السيارة كانت مثقوبة بعشرات الطلقات.
ملف السلاح الفلسطيني وتساؤلات لبنانية
أعادت الحادثة إلى الواجهة قضية السلاح الفلسطيني في لبنان، خصوصاً بعد الوعود التي أُطلقت في الأشهر الماضية حول تسليمه للدولة اللبنانية. ففي أغسطس 2025، بدأ مخيم برج البراجنة أولى خطوات خطة لتسليم السلاح، وُضعت بالتوافق خلال قمة لبنانية - فلسطينية عُقدت في 21 مايو من العام نفسه، أكدت على سيادة لبنان ومبدأ حصرية السلاح بيد الدولة.
لكنّ مقاطع الفيديو المنتشرة بعد الحادثة الأخيرة أظهرت استمرار وجود السلاح داخل المخيمات، ما أثار تساؤلات حول مدى صدقية عملية التسليم.
بعض الفصائل الفلسطينية كانت قد أوضحت سابقاً أن ما سُلّم هو فقط «أسلحة غير نظامية دخلت مؤخراً»، في حين لم يشمل التسليم الأسلحة الفردية المنتشرة بين عناصر الفصائل.
الرواية الفلسطينية
في حديث إلى "وردنا"، عبّر عبد الفتاح دولة، المتحدث باسم حركة فتح، عن “أسفهم العميق وحزنهم الشديد” لمقتل الشاب إيليو أبو حنّا، مقدّماً التعازي لعائلته وللشعب اللبناني. موضحاً أن ما جرى كان نتيجة سوء تقدير ميداني في لحظة توتر أمني داخل المخيم، إذ كانت سيارة الضحية تسير بسرعة وتجاوزت أحد الحواجز دون توقف، بينما كانت الأجهزة الفلسطينية تلاحق في الأيام السابقة مجموعات خارجة عن القانون وتجار مخدرات.
وأشار إلى أن إطلاق النار لم يكن بنية القتل، بل بهدف إيقاف السيارة المشتبه بها، إلا أن إحدى الطلقات أصابت الشاب بالخطأ وأدت إلى وفاته. مضيفاً أن الحواجز الأمنية أُقيمت بعد عمليتين نفذهما الجيش اللبناني في المخيم كإجراء أمني مكمّل لعمل الأجهزة اللبنانية. وفور وقوع الحادث، شُكّلت لجنة تحقيق واعتُقل جميع العناصر الذين كانوا في موقع إطلاق النار، وتم تسليم سبعة مشتبه بهم إلى مخابرات الجيش اللبناني بالتنسيق الكامل بين الجانبين.
المستجدات الأمنية
بحسب معلومات أمنية خاصة لـ"وردنا"، تم القبض على ستة أشخاص يُشتبه بتورطهم في الحادثة، على أن يُفرج عن خمسة منهم خلال اليومين القادمين، فيما سيتم الإبقاء على الشخص الذي أطلق النار فقط قيد التوقيف.
وتشير المعلومات إلى أن أسماء الموقوفين هي:
ه. ص
س. ع
ا. د
ا. ن
ع. ق
وأكدت المصادر أن الدولة اللبنانية ستتخذ الإجراءات المناسبة بحق كل من كان على الحاجز أثناء وقوع الحادث.
وفي المقابل، وبحسب معلومات أمنية فلسطينية، تم تسليم سبعة من المشتبه بهم إلى مخابرات الجيش اللبناني بالتنسيق الكامل بين الجانبين.
موقف القيادة الفلسطينية وتطورات الميدان
أكد السفير الفلسطيني في لبنان، الدكتور محمد الأسعد، أن القيادة الفلسطينية ماضية في تسليم السلاح غير الشرعي ودعم الدولة اللبنانية في بسط سلطتها على كامل أراضيها، بما فيها المخيمات الفلسطينية، “لأن استقرار لبنان من استقرار فلسطين”.
ليعود ويشدّد المتحدث باسم فتح على رفضهم لأي مجموعة خارجة عن الصف الوطني أو القانون، مؤكداً أن المخيمات “ليست ملاذاً للفارين من العدالة ولا مرتعاً للجريمة”. مشيراً إلى أن القوى الأمنية الفلسطينية نفذت خلال الأيام الماضية عمليات ميدانية بالتنسيق مع الجيش اللبناني، ضُبط خلالها كميات من المخدرات سُلّمت إلى الجهات اللبنانية الرسمية، في تأكيد على التزام المخيمات بالقانون اللبناني.
وختم دولة قائلاً:
“نحن في حركة فتح ومعنا أبناء الشعب الفلسطيني في لبنان ضيوف نعيش تحت سقف القانون اللبناني ونحترم سيادته ومؤسساته. نؤكد التزامنا بالحفاظ على الأمن والسلم الأهلي وتعزيز العلاقات الأخوية بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، لأن الدم اللبناني والدم الفلسطيني دم واحد”.
بين السلاح والمخدرات... قضية تتجاوز المأساة الفردية
تفتح حادثة مقتل إيليو الباب أمام أسئلة جوهرية: لماذا لم تُدرج الأسلحة الفردية ضمن عملية التسليم الأخيرة؟ ولماذا لم تطالب الدولة اللبنانية بجمع كل أنواع السلاح من داخل المخيمات لضمان أمنها وأمن محيطها؟
كما يطرح البعض تساؤلات حول سبب وجود إيليو في المخيم في ساعة متأخرة من الليل، في وقت باتت فيه شاتيلا تُعرف بكونها سوقاً مفتوحة لتجارة المخدرات. ورغم عدم وجود أدلة حاسمة حول سبب دخوله، فإن القضية باتت تتجاوز فوضى السلاح لتسلّط الضوء على شبكات ترويج المخدرات التي تضرب المجتمعين اللبناني والفلسطيني. في كلتا الحالتين، تبقى المسؤولية مشتركة بين الدولة اللبنانية والقيادة الفلسطينية، بانتظار نتائج التحقيقات.
أما الآن، ومع تصاعد التوتر داخل المخيمات، يبقى السؤال الأكبر: هل تُشكّل حادثة شاتيلا نقطة تحوّل حقيقية في مسار نزع السلاح الفلسطيني وضبط الأمن؟ الجواب... رهن بالأيام المقبلة.


