لبنان آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

مؤتمر " التقييم الوطني من اجل الإصلاح ": التزام رسمي بنظام يربط التخطيط بالموازنة

مؤتمر

في اطار نشاطاته الهادفة الى تعزيز الحكم الرشيد نظّم مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف بالشراكة مع منظمة اليونيسف في لبنان ، وبالتعاون مع شركة الإدارة المسؤولة إجتماعياً (SRM) مؤتمراً بعنوان " التقييم من اجل الإصلاح " برعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام الذي مثّله نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور طارق متري ، وبحضور رئيس جامعة القديس يوسف الأب البروفسور سليم دكاش اليسوعي وعدد من مسؤولي وأساتذة الجامعة وطلابها ، وشخصيات سياسية وديبلوماسية وإدارية ونقابية وإعلامية ومن المنظمات الدولية والمجتمع المدني .

وتزامن المؤتمر مع الذكرى العاشرة لتأسيس المرصد الذي لعب دوراً اصلاحياً مؤثّراً في رسم السياسات ووضع الإستراتيجيات في القطاع العام. وعُرض فيلم فيديو يسلّط الضوء على إنجازات المرصد والنشاطات المتعدّدة التي قام بها، ومشاريعه المستقبليّة.

وجاء المؤتمر استكمالاً للزخم الذي انطلق في المؤتمر الوطني الذي نظّمه المرصد بالشراكة مع منظمة اليونيسف في لبنان وبالتعاون مع شركة الإدارة المسؤولة اجتماعياً SRM في عام 2024 بعنوان «التقييم والإصلاح»، والذي رسّخ دور التقييم كعنصر محوري في مسار الإصلاح اللبناني. وقد ترسّخت تلك الشراكة وأنجزت هذا العام عملية رسم خرائط شاملة لمنظومة التقييم الوطني في لبنان، بهدف فهم واقعها وتحدياتها وسبل تطويرها، وذلك عبر إعداد دراسات تحليلية معمّقة والانخراط في حوار موسّع مع مختلف الجهات المعنية من المؤسسات العامة والمجتمع المدني.

وقد أثمر ذلك منشورَيْن هما:

1. تحليل منظومة التقييم الوطنية في لبنان

2. رسم خريطة أصحاب المصلحة في التقييم الوطني في لبنان.

واجمعت الكلمات في افتتاح المؤتمر وفي طاولة النقاش على أهمية التقييم ودوره لمعرفة ما إذا كانت السياساتُ والخدمات العامة تحقق النتائجَ المرجوّة منها. واكد المشاركون ضرورته للإصلاح لأنه يوفّر الأدلة على ما ينجح، والشفافية حول النتائج، وآليات التعلّم والتحسين، مشدّدين على ان المطلوب هو نظام تقييم وطني فعّال ومُدمج في الإدارة العامة مدعومٌ بالتشريعات والمساءلة الواضحة، ويربُط بين التخطيط وإعداد الموازنة، والتنفيذ، والرقابة، والتعلّم والتطور.

افتُتح المؤتمر بكلمة الأب البروفسور سليم دكاش اليسوعي، الذي أكّد أن "التقييم ليس عملاً عفوياً، بل هو فعل مواطني والتزام أخلاقي"، يُشكّل "مرآة للضمير وأداة إصلاح". وشدّد على أن "من دون التقييم، يفقد الإصلاح بوصلته. ومن دون الإصلاح، يفقد التقييم معناه"، معتبراً أنهما لا ينفصلان في مسار إعادة بناء المصداقية واستعادة الثقة في لبنان. ودعا دكّاش إلى تجاوز الأطر التقنية الضيّقة، مؤكداً أن التقييم "يمسّ جوهر الحوكمة بوصفها خدمة للإنسان"، ويجب أن يتحوّل إلى "ثقافة تعلّم مستمر في صلب الإدارة العامة". وختم بالقول إن لبنان "سيُعيد بناء ذاته عبر المعرفة والشباب والنزاهة وصنع القرار المبني على الأدلة"، داعياً إلى "جعل التقييم ثقافةً لا قيداً، حواراً لا رقابةً، ومساراً نحو الكرامة والتجدّد لوطننا، لا عبئاً على كاهله".

وأشار مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد البروفسور باسكال مونان في كلمته الى دور المرصد كمحرّك إصلاحي. ولفت إلى أن مبادرة المرصد لتوحيد الرؤى الوطنية نحو خارطة طريق لتطبيق نظام التقييم الوطني تشكّل محطة محورية في مسار الإصلاح وبناء الدولة الحديثة. فهو ليس مجرد مشروع تقني، بل رؤية وطنية تهدف إلى إرساء ثقافة التقييم كأداة دائمة لتحسين الأداء العام.

وقال: في العام الماضي بدأنا النقاش، وجمعنا المعنيّين، وقيّمنا الجهوزية والإستعداد. وها نحن اليوم ننتقل الى خطوة اساسيّة أخرى، ونبدأ الخطوة الأولى في اتجاه رسم خارطة التقييم الوطني، وهي الأولى من نوعها في لبنان، تتيح الإنتقال من النقاش في الأفكار، الى ما يسمّى التعبئة الوطنية.

وستكون هذه الخارطة برسم المعنيّين من صنّاع القرار وواضعي السياسات واهل الاختصاص، في السلطتين التنفيذية والتشريعية والمجتمع المدني، والجامعات والشركاء الدوليين والمهتمّين.

وقال ماركولويجي كورسي ممثّل اليونيسف في لبنان: "تعزيز القدرات الوطنية في مجال التقييم ليس مجرّد التزام مؤسسي لليونيسف، بل هو أيضاً ركيزة أساسية في عمل منظومة الأمم المتحدة. فالتقييم أداة فعّالة لتعزيز الشفافية وبناء الثقة وضمان أن تُترجم السياسات العامة إلى نتائج ملموسة، خصوصاً لأجل الأطفال والأسر والمجتمعات التي تتأثّر أكثر من غيرها بالحوكمة الفعّالة. فعندما تستند القرارات إلى أدلّة موثوقة، تسخدم الموارد بشكلٍ أكثر ترشيداً، وتصبح الإصلاحات أكثر فعالية واستدامة.

ثم ألقى نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتورطارق متري كلمة باسم دولة الرئيس الدكتور نواف سلام، مُهنّئاً المرصد بمرور عشر سنوات على تأسيسه، مُشيداً بدوره في "بناء جسور بين القوى الحيّة في المجتمع والأوساط الأكاديمية والمؤسسات العامة من جهة، والسلطات السياسية ومؤسسات الدولة من جهة أخرى". وأشار متري إلى أن "التوقعات العالية شيء، والدعم الحقيقي الذي تحظى به الحكومة شيء آخر"، مُعترفاً بأن الحكومة "لم تنجح دائماً في تحويل البوصلة الأخلاقية التي تمتلكها إلى قدرات سياسية كاملة" في مواجهة المقاومات المتعدّدة، سواء المرتبطة بمصالح طائفية أو حسابات سياسية قصيرة الأجل أو عادات راسخة.

وشدّد على أن "سيادة الدولة على كامل أراضيها، جنوب الليطاني وشماله، باتت شرطاً مسبقاً، لا لتحقيق الإصلاح فحسب، بل لمجرّد البدء به"، مؤكداً أن "السيادة الوطنية وبسط سيطرة الدولة لا ينفصلان عن الحاجة إلى إعادة بناء الدولة وإصلاحها، فهما بوابة التغيير". وعرض متري جهود الحكومة في تحديث القطاع العام عبر لجنة وزارية مُختصّة، مُركّزاً على مشروع التحوّل الرقمي مشيراً إلى أنه "ليس مجرّد تحديث تقني، بل يقوده الإصلاح، ويضمن الشفافية ويُساعد في مكافحة الفساسد"، بدءاً بالهوية الرقمية.

كما تطرّق إلى إصلاح إدارة الموارد البشرية والجهود المبذولة لتسهيل تعاملات المواطنين مع الإدارات العامة، مُشيداً بعمل فريق من جامعة القديس يوسف على تطوير آليات التعامل في وزارة الأشغال والنقل. وختم بالإشارة إلى ضرورة تطوير أجهزة الرقابة، مُثمّناً الدعم الأوروبي لتعزيز هذه المؤسسات، داعياً إلى "الاستفادة من ثمار أعمالكم الطيّبة في خدمة الإصلاح الوطني".

طاولة النقاش

وبعد الافتتاح، عرض المُدير الشريك لمؤسسة الإدارة المسؤولة اجتماعيًا (SRM) حمد إلياس منظومة التقييم في لبنان، والتحديات القائمة، ومداخلَ العمل الممكنة.

وتحت عنوان " مسار لبنان نحو نظام تقييم وطني فعّال " دار حوار أدارته الإعلاميّة نبيلة عوّاد، تحدّث فيه وزير التنمية الإدارية لشؤون التنمية الإدارية الدكتور فادي مكّي عن " التقييم في صميم العمل الإداري"، والنائبة الدكتورة حليمة قعقور عن " الرقابة البرلمانية والتقييم الوطني “، ورئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطيّة عن " مؤسسات الرقابة كراعية للتنفيذ “، ورئيس جمعيّة التقييم اللبنانية lebEVAL زياد موسى عن " الواقع المهني والتقني لخبراء التقييم“.

وقدّم مدير المعهد الوطني للإدارة الدكتور جورج لبكي ملاحظات ختامية، والإعلامي والأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف الدكتور شربل مارون خلاصة عن المؤتمر وعرضاً للخطوات المستقبليّة. 

يقرأون الآن