في تطوّر لافت داخل الساحة السياسية الأميركية، صوّت مجلس النواب، الثلاثاء، بأغلبية ساحقة لصالح نشر وثائق التحقيق المتعلقة برجل المال الأميركي الراحل جيفري إبستين، المدان سابقاً بارتكاب جرائم جنسية. وجاء التصويت بواقع 427 صوتاً مقابل صوت واحد معارض، في خطوة تهدف إلى إلزام وزارة العدل بالكشف عن كل ما تملكه من سجلات ووثائق حول القضية التي لا تزال تثير الكثير من التساؤلات رغم وفاة إبستين في السجن عام 2019.
هذا التحرك التشريعي لم يكن منفصلاً عن تحول مفاجئ في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان قد مارس ضغوطاً كبيرة على الجمهوريين في مجلس النواب لمنع تمرير مشروع القانون. إلا أن تصاعد الغضب داخل صفوف حزبه، وتزايد الانشقاقات قبل التصويت، دفعاه إلى تغيير موقفه ودعم التشريع قبل أيام قليلة فقط من التصويت.
وأكد ترامب قائلاً: "ليس لدينا ما نخفيه"، نافياً مجدداً أي علاقة تربطه بإبستين، رغم أن الرجلين كانا مقرّبين خلال تسعينيات القرن الماضي قبل وقوع خلاف بينهما في أوائل الألفية.
وقبيل التصويت، ظهر عدد من ضحايا إبستين أمام مبنى الكابيتول في مؤتمر صحافي مؤثر. تحدثت النساء، بعضهن للمرة الأولى، عن الاعتداءات التي تعرضن لها حين كنّ في بداية مسيرتهن المهنية. وقالت لارا بلوم ماكغي، إحدى الضحايا، إن الدولة "يجب ألا تقف إلى جانب المتحرشين"، مطالبة الكونغرس بإقرار القانون دون تأخير.
عاد الجدل حول علاقة إبستين بشخصيات سياسية بارزة إلى الواجهة الأسبوع الماضي بعد نشر رسائل إلكترونية تزعم أن الرئيس ترامب كان على علم بأنشطة إبستين، بل وأمضى وقتاً مع إحدى الضحايا. إلا أن ترامب نفى قطعياً هذه الادعاءات، مطالباً في المقابل بالتحقيق في علاقة إبستين ببعض الديمقراطيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
تسبّبت القضية في انقسامات داخل الحزب الجمهوري، حيث وجّه ترامب انتقادات لاذعة لعدد من أعضاء حزبه، وسحب دعمه من النائبة مارغوري تايلور غرين بسبب تأييدها لمشروع القانون. غرين من جهتها عبّرت عن شكوكها بشأن إمكانية التزام وزارة العدل بنشر الوثائق، قائلة إن "الاختبار الحقيقي" سيأتي بعد موافقة الكونغرس.
ومع تمريره في مجلس النواب، يتجه مشروع القانون الآن إلى مجلس الشيوخ، حيث لا يزال مصيره غامضاً. إذ لم يتضح بعد ما إذا كان زعيم الأغلبية الجمهورية جون ثون سيقرر طرحه للتصويت، خاصة أن خطوة كهذه قد تعيد فتح ملف حساس تتشابك فيه السياسة مع الفضائح الأخلاقية.
قضية إبستين، التي وعد ترامب خلال حملته الانتخابية بكشف "حقائق مثيرة" عنها، تواصل إحداث هزّات سياسية داخل واشنطن. وبينما يسعى البيت الأبيض إلى تهدئة الجدل، يبدو أن الضغوط الشعبية وظهور حقائق جديدة يعيدان هذه القضية إلى دائرة الضوء، وقد تجعل الأشهر المقبلة حافلة بالمفاجآت إذا ما تم الكشف فعلاً عن الوثائق المنتظرة.


