حلق سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء في لبنان، ليتخطى عتبة الـ 140 ألف ليرة ، حيث سجّل 142,000 ليرة للمبيع و143,000 ليرة للشراء بعد ظهر يوم الثلاثاء ليعود لاحقًا وينخفض إلى الـ 118 ألف ليرة، مساء اليوم نفسه.
هذا الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار، إنعكس أولاً على أسعار المحروقات، ليليه أسعار السلع والمواد الغذائية، ومع هذا الجنون الهائل للدولار، جنَ معه جنون المواطنون، اذ عمد عشرات المحتجين إلى قطع الطرق في مناطق لبنانية عدة، احتجاجا على الإنهيار غير المسبوق للعملة الوطنية.
وأمست عبارة "إرتفع الدولار"، مجرد كلمة تتردد يومياً على مسامع اللبنانين المثقلين بهمومهم الحياتية المستجدة، ولم تعد الآلة الحاسبة منحصرة بالدوافع التعليمية، وقد بات مألوفًّا مشهد المواطن حاملًّا هاتفه الخلوي لإحتساب السلع المسعرة بالدولار وفقّا لسعر الصرف المعتمد. ومع بدء إعتماد المتاجر اللبنانية تسعير موادها وسلعها الغذائية بالدولار الأميركي، يسأل اللبنانيون أنفسهم، ماذا بعد؟ ومن يتحكم بالسوق السوداء؟
وزارة الإقتصاد تكافح...
المدير العام لوزارة الإقتصاد والتجارة، محمد أبو حيدر، أشار لـ"وردنا"، أن مديرية حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد، تتابع عملها، رغم الإضراب العام، وتعمل على مراقبة سعر الكلفة وسعر المبيع، وهامش الربح.
وأكد أبو حيدر، أن الوزارة تعمل ضمن امكانياتها لمراقبة الأسعار، على تسطير محاضر ضبط بحق المخالفين.
لكن بحكم التجربة، نجد أن اجراءات الوزارة لاتزال دون القدرة على ضبط الأمور، بسبب نقص الموظفين في مصلحة حماية المستهلك، وهذا ما أعلن عنه مرارًا وزير الإقتصاد أمين سلام.
أسباب الإرتفاع الجنونِي للدولار
الخبير المصرفي والإقتصادي اللبناني، نسيب غبريل، وفي حديث لـ "وردنا"، أشار إلى أن أبرز الأسباب الكامنة وراء الإرتفاع الهائل في الدولار، الشلل التام في المؤسسات العامة والدستورية، وتعطيل عمل مجلس النواب. إلى جانب إضراب جمعية المصارف وإعتكاف القضاة، كل هذه العوامل برأي غبريل لعبت دورًا بارزًا في التحكم بسعر الدولار.
ورغم عدم ارتفاع الطلب والإستهلاك أو الإستيراد أو زيادة في الرواتب، إلاَ أننا نشهد الآن إرتفاعًا هائلًا للدولار، لفت غبريل في هذا الإطار إلى أن "هذا ما يؤكد تحكم مضاربون في سعر الدولار".
وفي السياق، أكدت الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المصرفية والمالية، سابين الكيك لـ"وردنا"، عدم قدرة مصرف لبنان على التدخل، مشيرةً إلى استنزافه لقيمة إحتياطه التي يمكن إستخدامها في السوق.
ولفتت إلى أن الإرتفاع الجنوني في سعر الدولار، هو أمر طبيعي وبديهي، إذ إستغرقت الأزمة وقتًا أطول من المتوقع، مشدَدةً على أن الإرباك السياسي الحاصل، وإرباك مصرف لبنان، يوحي بأننا نتجه نحو الأسوأ.
وأضافت " الدولار ليس له سقف، اذ أنه كلما إستمر التراجع في إحتياطي مصرف لبنان، كلما إرتفع معه سقف إنهيار الليرة الوطنية".
ويمر لبنان بأزمة إقتصادية صُنفت كواحدة من أسوأ ثلاث أزمات التي شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، بحسب ما جاء في تقرير مفصل للبنك الدولي قبل أكثر من عامين، وحمل عنوان "المرصد الإقتصادي للبنان: الإنكار الكبير".
والإنكار الكبير يتظهَر منذ مطلع الأزمة عام 2019 من خلال الإنهيار المتسارع للعملة الوطنية، وغياب آفاق لحل الأزمات المتلاحقة إقتصاديًا وسياسيًا وإجتماعيًا، مع ما يترافق ذلك من عجز القوى السياسية على إنتخاب رئيس أو حتى القيام بالإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي.
وأمام الواقع المشرذَم هذا، يرزح اللبنانيون تحت وطأة أحوالٍ إقتصادية خانقة، بعد أن تآكلت قدرتهم الشرائية، وباتوا يبحثون عن حلول خارج بلدهم، عكستها أرقام صادمة لنسبة المهاجرين، قدرتها الدولية للمعلومات بزيادة 150% عما كانت عليه عام 2018.