بعد أن كشفت تحقيقات موسعة لصحيفة "إكسبريسن" السويدية عن فضيحة كبرى مرتبطة بشبكة من المدارس ورياض الأطفال مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في السويد، وتحويل هذه الأموال لحساب الجماعة واستخدامها في تمويل أنشطة مشبوهة، تكشفت تفاصيل جديدة عن فضائح مالية مماثلة للجماعة ومحاولات أخرى لاستخدام إعادة إعمار غزة للحصول على مكاسب مالية تعزز من نفوذ الجماعة المالي.
ونبدأ بفضيحة الجماعة في السويد، فقد كشفت الصحيفة عن شبكة من الأئمة والدعاة المرتبطين بالجماعة، متهمة أفرادها باختلاس مبالغ من أموال دافعي الضرائب، عبر منظومة المدارس الخاصة، حيث تجاوزت الأموال المنهوبة نحو 100 مليون دولار.
ومن ضمن المتهمين في الواقعة عضو سابق بالبرلمان السويدي صومالي الأصل، الذي يُشتبه في تحويله الملايين من السويد بطرق غير شرعية لتمويل نوادٍ ليلية بتايلاند، ودعم حزبه الإسلامي في الصومال.
وتابعت الصحيفة أن أحد المتورطين أيضاً مالك مدرسة قام بتحويل الملايين إلى مالطا قبل مغادرته السويد، ومعه آخرون ينتمون للجماعة في السويد.
وكشف التحقيق السويدي عدداً من المؤسسات التعليمية والاقتصادية التابعة للجماعة والتي كانت تستخدمها في جمع الأموال وتحويلها لحسابات التنظيم، من بينها روضة "لير أوخلك"، التي تلقت ملايين الدولارات وقامت بتحويل جزء كبير منها إلى جمعية أندلس التابعة للإخوان، ومنها إلى اتحاد المسلمين السويدي المصنف ككيان متطرف.
واستخدمت الجماعة في تلك الأنشطة المخالفة للقانون عنصرين تابعين للجماعة، حيث كانا يديران الروضة ويحولان الأموال تحت غطاء أنشطة غير ربحية.
لكن استخدام الإخوان لإنشاء مدارس وروضات لجمع الأموال وتحويلها لحسابات التنظيم ليس جديداً بل قديماً ومتجذراً منذ عهد المؤسس حسن البنا.
ففي نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات، حسب ما يؤكد مصدر أمني مصري لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، استغلت الجماعة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب المصري، ونجحت الجماعة في جمع تبرعات من المصريين بزعم الصدقات والزكاة وتحويلها للفقراء والمحتاجين، وجمعت عشرات الآلاف من الجنيهات، وتبين فيما بعد أن الجماعة وبمباركة من حسن البنا استخدمت هذه الأموال في بناء مدارس خاصة. وأضاف أن أول مدرسة خاصة أنشأتها الجماعة بأموال التبرعات كانت في محافظة الإسماعيلية مقر إقامة البنا نفسه، مضيفاً أنه وفي العام 1946 قام البنا بتكوين لجنة برئاسته لتأسيس عدة مدارس تابعة للجماعة لتنتشر بعد ذلك مدارس الإخوان في محافظات مصر وتصبح ذراعاً مالية كبيرة للجماعة.
وأكد المصدر الأمني أن عدد المدارس الإخوانية التي صدر بشأنها قرارات من لجنة التحفظ على أموال التنظيم الإخواني في العام 2013 بلغ 120 مدرسة على مستوى الجمهورية، كما ثبت تورط هذه المدارس في تمويل أنشطة الجماعة والتي كان يشرف عليها قسمي التربية والأشبال في الهيكل التنظيمي، مضيفاً أن أرباح تلك المدارس كانت تؤول إلى خزينة التنظيم رغم أنها مسجلة بأسماء قيادات الجماعة وذويهم.
ولم يتوقف تأسيس الأذرع المالية للجماعة على بناء المدارس والجمعيات الخيرية واستخدامها لجمع التبرعات والأموال وتمويل أنشطة التنظيم، بل وصلت إلى الاستفادة من مآسي وكوارث العالم والحروب، بدءاً من أفغانستان، مروراً بالبوسنة وانتهاءً بغزة.
وفي فبراير (شباط) الماضي أعدت جماعة الإخوان خطة تفصيلية، بتكلفة تصل إلى 132 مليون دولار، لمشاركة عدد من هيئاتها في عمليات إعادة الإعمار وإزالة الركام في غزة.
وحسب الخطة المكونة من 98 صفحة، والتي كشفتها مصادر لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، فإن التنفيذ سيكون موكولاً لهيئات تابعة للجماعة في فلسطين، وستعمل هذه الهيئات على توريد معدات ثقيلة لإزالة الركام وفتح شوارع ممهدة لعودة النازحين، وإزالة الكتل الخرسانية والمباني الآيلة للسقوط، وتأمين سهولة الحركة لتحركات الأفراد وسيارات الإسعاف والدفاع المدني.
ويقول اللواء أحمد عليوة، أحد القيادات السابقة في جهاز الأمن الوطني في سيناء لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" إن الأيام الأخيرة شهدت فضيحة مالية كبرى للإخوان تمثلت في الحصول على أموال ما يعرف بوقف الأمة في فلسطين، حيث سرقت أموال التبرعات، وبدأت الجماعة وقياداتها في تحويلها لإقامة استثمارات خاصة وشراء شقق فندقية في أوروبا، مشيراً إلى أن الأسماء المتورطة كلها عناصر إخوانية.
وقال إن الكثير من الهيئات الإخوانية التي تعمل في أوروبا في جمع التبرعات للقطاع تنشط في هذا الغرض وتحول الأموال بعد ذلك، لا إلى القطاع وسكانه، بل إلى خزائن التنظيم.
ويقول اللواء عادل عزب، مسؤول الملف الإخواني السابق في جهاز الأمن الوطني المصري لـ"العربية.نت" و" الحدث.نت" إن المال لم يكن يوماً مجرد وسيلة للإغاثة في عرف جماعة الإخوان، بل -كان عبر تاريخ طويل- أداة نفوذ تتخفى في ثوب الخير، ثم تتحول ببطء إلى مشروع سياسي كامل، يصل إلى ما لا تصل إليه البنادق، مضيفاً أن أول خيط يمكن الإمساك به لفهم ما يجري اليوم حول أموال إعمار غزة، يبدأ من بعيد من جبال أفغانستان، قبل أن يصل إلى قاعات المحاكم في القاهرة، ثم يتسلل الآن إلى مشاريع الإعمار في غزة.
وكشف أنه في فترة الثمانينيات، جمع الإخوان الملايين لدعم مجاهدي أفغانستان وذلك من خلال حملات في المساجد، والندوات، والمنابر، والبيوت، ولم يخرج الإخوان من أفغانستان بنصر عسكري، بل خرجوا بخبرة مالية، وبشبكة تبرعات إقليمية، تحولت لاحقاً إلى مصدر تمويل تنظيمي، ثابت وقابل للتكرار في أية ساحة نزاع.
وقال إنه في العام 2009، ظهرت "القضية 404 أمن دولة عليا" المتورطة فيها جماعة الإخوان، وهي قضية لم تتعلق بآراء أو خلافات سياسية، بل تعلقت بتحويلات مالية جُمعت باسم دعم غزة، ثم دخلت إلى مصر عبر حسابات مرتبطة بعناصر إخوانية.
ووفقاً للتحقيقات كما -يقول اللواء عزب- فإن 2 مليون و700 ألف يورو كانت حصيلة تبرعات جُمعت في مؤتمرات أوروبية عقب العدوان على القطاع في العام 2008، ثم تم ضبط ما يقرب من 2 مليون و800 ألف يورو داخل مصر، والمفارقة أن هذه الأموال لم تكن في حسابات جمعيات إغاثية محلية، بل في حسابات شخصية مرتبطة بالتنظيم.
وكشف المسؤول الأمني أن هناك وثيقة أخرى ضبطت ضمن أحراز القضية وكانت بعنوان "وثيقة المرشد العام.. حين يصبح مال غزة ملكية تنظيمية"، وموقعة من المرشد العام آنذاك، محمد مهدي عاكف، ونصت على أنه لا يجوز التصرف في أموال التبرعات الخاصة بفلسطين إلا بعد الرجوع إلى مكتب الإرشاد، موضحاً أن الهدف الأول لم يكن الإغاثة، بل الاستحواذ على القرار المالي، ثم تحويل المال لاحقاً إلى نفوذ سياسي.
وتابع أنه لكي يضمن التنظيم بقاء المال تحت قبضته، أنشأ داخل هيكله قسماً خاصاً باسم قسم فلسطين وكان يشرف عليه مباشرة خيرت الشاطر، بوصفه المسؤول المالي الأول داخل الجماعة، وكانت مهمة هذا القسم تنظيم العلاقات مع شبكات التمويل وحملات جمع التبرعات الخارجية والتحكم في مسارات المال القادمة باسم الفلسطينيين.
وأكد اللواء عزب أن القضية لدى الإخوان لم تعد جهاداً، أو تبرعات للإغاثة، بل تحوّلت إلى أموال إعمار، و"مصر وبوضوح شديد تدرك أن الإعمار ليس مجرد وضع حجر فوق حجر، بل هو تحديد من يملك مفاتيح المستقبل داخل غزة"، موضحاً أنه لهذا السبب جاء التحذير الرسمي المصري بأن الإعمار يجب أن يكون شفافاً ومراقباً، وبعيداً عن التوظيف السياسي غير الخاضع لأي انتماء تنظيمي.
واختتم المسؤول الأمني المصري قائلاً إن أخطر ما يهدد غزة اليوم ليس الدمار الذي خلفته الحرب، بل الخراب الذي يمكن أن يُبنى فوق أنقاضها إذا ترك المال بلا رقابة.


