بيئة

خبراء الارصاد: الشرق الأوسط يغرق في أخطر مرحلة في تاريخه الحديث

خبراء الارصاد: الشرق الأوسط يغرق في أخطر مرحلة في تاريخه الحديث

شهدت عدة مدن عربية هطول أمطار قياسي تجاوز المعدلات التاريخية، في ظاهرة باتت، بحسب خبراء الأرصاد، جزءا من "نمط جديد" يسود الشرق الأوسط بفعل تسارع الاحترار العالمي.

ويقول المركز الوطني للأرصاد في السعودية في بيان صدر مؤخرا، إن "هناك زيادة واضحة في الأمطار الغزيرة، خصوصا على الساحل الغربي والجنوب الغربي، وما حدث من أمطار أخيرة يعد من أعلى المعدلات المسجلة في المملكة".

هذا التصريح ليس معزولا، فقد أعلنت الإمارات بعد العاصفة المطرية غير المسبوقة في 2024 أن:"كمية الأمطار التي شهدتها الدولة هي الأعلى منذ 75 عاما".

وبحسب تقديرات منظمة الأرصاد العالمية WMO، فإن منطقة الشرق الأوسط أصبحت واحدة من أسرع المناطق حرارة على وجه الأرض، وأكثرها تأثرا بالنشاط المداري والرطوبة القادمة من المحيطات المجاورة.

النظام الماطر الذي ضرب المنطقة وصف من مراكز الأرصاد بأنه غير نموذجي تماما، فعادة تبدأ الأمطار في الخريف على السواحل، ثم تتقدم لاحقا نحو الجبال. لكن النظام الأخير جاء من مصدر استوائي، تحرك عبر البحر الأحمر قبل أن ينفجر فوق مناطق داخلية لم تعتد استقبال هذا المستوى من الرطوبة.

وتؤكد الأرصاد الفلسطينية في تقريرها الأخير أن "المنخفضات الجوية أصبحت تحمل كميات استثنائية من الرطوبة مقارنة بالعقود الماضية".

كما قال خبراء الأرصاد في الأردن ان "المنخفضات الجوية أصبحت أبطأ وأكثر قدرة على إنتاج أمطار غزيرة خلال فترات قصيرة".

هذا "البطء" الذي تتحدث عنه الأرصاد يتوافق مع ما نشره معهد ماكس بلانك (2023) حول أن الأنظمة الجوية أصبحت أبطأ بنسبة تتراوح بين 20–30% في عدة مناطق حول العالم، وأن بطء النظام يعني بقاء كتلة السحب فوق منطقة محددة لفترة أطول، وبالتالي هطول أمطار غزيرة غير مسبوقة.

تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC AR6 – 2023) تشير بوضوح إلى زيادة الظواهر المطرية القصوى بنسبة 7% لكل ارتفاع درجة مئوية واحدة، فيما المناطق الجافة، ومنها الشرق الأوسط، ستشهد فترات جفاف أطول تتخللها أمطار غزيرة ذات طابع "تفجري".

وهذا ما حدث في السعودية والإمارات وقطر والأردن وعمان خلال السنوات الأخيرة.

وأكدت الأرصاد القطرية ذلك في تقريرها المناخي لعام 2023: "تشهد قطر زيادة في التطرف المناخي وارتفاعا في شدة الأمطار الموسمية".

وفي مصر، قالت الهيئة العامة للأرصاد: "نشهد تغيرا واضحا في نمط الفصول وزيادة في الظواهر الجوية المتطرفة".

وفي هذا السياق، قالت الأرصاد العمانية: "التغير المناخي ساهم في زيادة قوة وشدة الأعاصير التي تؤثر على السلطنة"، خاصة الأعاصير المدارية في بحر العرب، التي شهدت، وفق دراسة عمانية رسمية،

وتتفق دراسات AGU (الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي) على أن موجات البرد المفاجئة ستظل ممكنة، بل قد تصبح أكثر شدة رغم أن معدل الشتاء ككل يصبح أكثر دفئا.

وتقول الأرصاد الأردنية أنه "رغم ندرة حدوثها، إلا أن موجات البرد القوية المصحوبة بالثلوج باتت ممكنة ضمن الأنظمة الشتوية الجديدة".

وتشير تقديرات تاريخية إلى أن العالم سيصل "ذروة المخاطر المناخية" حوالي عام 2060، لكن منظمة الأرصاد العالمية (WMO) تقول إن 2023 و2024 هما الأعلى حرارة منذ بدء السجلات، وأن العالم تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية مرات عدة خلال أشهر كاملة، وهو ما وصفه الأمين العام للمنظمة بأنه "خروج واضح عن التوازن المناخي التاريخي".

ويؤكد تقرير IPCC أن وصول الحرارة إلى +1.5 درجة كان متوقعا بين 2030–2040.

لكن ما حدث فعليا أن العالم وصلها مبكرا بمقدار عقد كامل، وأن الظواهر المتطرفة أصبحت أكثر تكرارا بـ ضعف ما توقعته النماذج المناخية القديمة.

بحسب البنك الدولي (2023–2024)، سيواجه أكثر من 400 مليون شخص ضغط شح المياه، وستتضاعف احتياجات الطاقة بسبب موجات الحر الطويلة، وستنخفض إنتاجية الزراعة بنسبة قد تصل إلى 20–30% في دول عربية معينة.

وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، المنطقة معرضة لموجات حر تتجاوز 56–60 درجة في الخليج، ولارتفاع مستوى سطح البحر قد يهدد مدنا ساحلية كالإسكندرية والبصرة والدوحة.

ووفقا لوزارة الصحة العالمية (WHO)، فإن زيادة الأمراض المنقولة بالمياه بنسبة 40% مع تزايد الفيضانات، وأن هناك توسع لنطاق الأمراض كحمى الضنك والملاريا نحو مناطق لم تكن فيها سابقا.

وتشير الأرصاد الفلسطينية إلى أن: "الموسم الحالي يمكن وصفه بعدم اليقين المناخي والظواهر المتطرفة".

وهو توصيف يتكرر في معظم الدول العربية، إذ تقول الأرصاد الإماراتية: "هذه الأحداث الجوية تتماشى مع التغير المناخي العالمي"، أما الأرصاد القطرية فاعتبرت:"التغير المناخي يفسر الزيادة المفاجئة في الأمطار الغزيرة".

وتتفق هذه التصريحات مع ما خلص إليه اجتماع قمة المناخ في غلاسكو 2021 (COP26)، حين تم التحذير من الوصول إلى نقطة "اللاعودة".

واليوم، وبحسب WMO، فإن العالم لم يعد يتجه إلى نقطة اللاعودة، بل تجاوزها موقتا بالفعل، فالأحداث المطرية القياسية التي شهدها الشرق الأوسط ليست حادثا منفصلا كما كان يحدث قبل عقود، بل هي جزء من نمط جديد أسرع مما توقعته النماذج، وأكثر تكرارا وأشد وقعا.

يقرأون الآن