مع قرب الانتهاء من تسليم جميع جثث الرهائن المحتجزة في قطاع غزة، تتزايد محاولات حكومة اليمين المتشدد في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو التنصل من التزامات اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة وتوسطت فيه عدة أطراف إقليمية.
فبدلاً من أن تتزايد مؤشرات الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، تخيم حالة من عدم اليقين على مصير الاتفاق ككل وسط تلويح بين الحين والآخر من قبل تل أبيب باستئناف الحرب، بدعوى انتهاك حركة حماس للاتفاق، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ".
ولعل أحدث الدلائل على غياب أفق واضح لاستكمال مراحل الاتفاق أتت، أمس الأربعاء، من الجانب الإسرائيلي على لسان منسق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة عن فتح معبر رفح في الأيام المقبلة "لخروج السكان فقط من غزة إلى مصر"، بعد التنسيق مع القاهرة والحصول على موافقة أمنية من إسرائيل وبإشراف بعثة الاتحاد الأوروبي، وذلك وفقا للآلية التي تم العمل بها في يناير/كانون الثاني الماضي.
فيما سارعت مصر لنفي ما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية في هذا الصدد، ونقلت الهيئة العامة للاستعلامات عن مصدر مسؤول قوله إنه "إذا تم التوافق على فتح المعبر، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقا لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في حين رأى مراقبون أن هذا التضارب في التصريحات بين الجانبين الإسرائيلي والمصري، ينطوي على محاولة للاتفاف على الاتفاق من جانب إسرائيل، وإصرار على التهجير الطوعي للفلسطينيين من القطاع.
وعكس ذلك تصريح صدر عن مسؤول إسرائيلي، حاول من خلاله تصوير مصر، مجدداً على أنها المسؤولة عن عدم خروج سكان غزة من القطاع، قائلاً: "إسرائيل تفتح المعابر لخروج الغزيين، وإذا كانت مصر ترفض استقبالهم فهذه مشكلتها"، وفق ما نقلت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية.
أتت هذه المستجدات قبل زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى الولايات المتحدة أواخر الشهر الجاري، وسط تقارير عن ممارسة واشنطن ضغوطا عليه من أجل المضي قدما إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
في الأثناء أفادت مصادر دبلوماسية بأن أميركا ستقرر تشكيل اللجنة التي ستدير القطاع، وكذلك مجلس السلام منتصف الشهر الجاري، مشيرة إلى أن هذا المجلس سيدار من قبل ترامب، ما يعكس جدية الولايات المتحدة في استكمال مراحل الاتفاق، وفق ما نقلت صحيفة هآرتس.
وكانت مصادر إسرائيلية كشفت سابقاً أن الجانب الأميركي "مارس ضغطا كبيراً جداً على نتنياهو للتقدم إلى المرحلة الثانية وبدء إعادة إعمار القطاع"، وفق صحيفة معاريف.
بينما كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن خطوة الإعلان عن إعادة فتح المعبر جاءت بعد ضغط أميركي وفي ظل رغبة واشنطن في المضي قدما في تنفيذ خطة ترامب، مشيرة إلى أنه "من المتوقع أن يفتح الأسبوع المقبل".
في حين تحدثت القناة الثالثة عشرة عن "خلافات جدية" بين إسرائيل والولايات المتحدة حول الانتقال للمرحلة الثانية من خطة ترامب، موضحة أن "الولايات المتحدة تطالب بالانتقال لمرحلة الإعمار، بينما تصر إسرائيل على استعادة جميع الجثامين أولا".
وفي خطوة رمزية لزيادة الضغط على نتنياهو قبل زيارته لواشنطن وحمله على الالتزام بخطة ترامب، طرح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الخطة المؤلفة من 20 بندا للتصويت في الكنيست، حيث تم تبنيها بإجماع الحضور، وسط غياب أحزاب الائتلاف الحاكم.
وكأن المعارضة أرادت أن تحرج الائتلاف الحكومي وتقول له إن الخطة الأميركية تحظى بدعم واسع ليس دوليا فحسب بل حتى في الداخل.
ولعل غياب نواب الائتلاف الحكومي الحاكم عن التصويت يكشف اعتراض أعضائه على بعض بنود الاتفاق وعدم رضاهم عن الاتفاق، ما يسلط الضوء على حجم الأزمة التي يمر بها نتنياهو حالياً. حيث يجد نفسه محصورا ما بين الرضوخ لشركائه في الحكم والتنصل من التزامات الاتفاق عبر اختلاق الحجج والذرائع، وبين الضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي الذي استدعاه إلى البيت الأبيض، في زيارة ستكون الخامسة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري.
على الجانب الآخر، تحدثت حماس بلسان الفصائل والقوى الفلسطينية، مشددة في بيان أمس الأربعاء على ضرورة إلزام إسرائيل بتنفيذ ما هو مطلوب منها فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار. وطالبت الوسطاء والدول الضامنة بأهمية فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين، "ومنع الاحتلال من التلاعب أو التهرب من هذه الاستحقاقات أو حصر فتح المعبر باتجاه واحد".
وبين مآرب مختلفة ومحاولات طرفي الصراع اغتنام أية فرصة لفرض رؤى بعينها خارج إطار خطة ترامب، تبقى جدية الإرادة الدولية هي العامل الرئيسي في تحديد مسار الاتفاق من حيث الالتزام به وتطبيق باقي بنوده أو انهياره والعودة إلى المربع الأول.


