مع مرور خمسة أشهر على أكبر حشد عسكري أميركي في البحر الكاريبي منذ نهاية الحرب الباردة، يواجه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ضغوطاً متصاعدة، وسط تقارير عن تحضيرات أميركية لمرحلة ما بعد رحيله. لكن وفقاً لمصادر مطلعة في كاراكاس، يتمسك مادورو بالبقاء ويرفض خيار المنفى، متبنياً سياسة "الصمود والانتظار" رغم التهديدات المتكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشن هجوم وشيك، بحسب ما أوردت صحيفة “واشنطن بوست”.
وتكشف المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة من شخصيات على تواصل مباشر مع الحكومة الفنزويلية أن مادورو يعيش حالة قلق حقيقي حيال احتمال استهداف منشآت حساسة أو تعرضه لمحاولة اغتيال، ما دفعه إلى تشديد إجراءات الأمن وتقليص ظهوره العام إلى الحد الأدنى. ورغم ذلك، لا تظهر الدائرة المحيطة به أي مؤشرات على تصدّع أو استعداد للتخلي عنه، في وقت تتحرك فيه شخصيات وسيطة لفتح قنوات اتصال جديدة بين كاراكاس وواشنطن.
وتشير وثائق أميركية داخلية، نقلتها الصحيفة، إلى أن إدارة ترامب تدرس بالفعل سيناريوهات "اليوم التالي" لخروج مادورو، بما في ذلك خطة انتقالية صاغتها المعارضة بقيادة ماريا كورينا ماتشادو. وفي الإطار نفسه، برز دور رجل الأعمال البرازيلي جوسلي باتيستا، مالك إمبراطورية اللحوم العالمية JBS، الذي التقى مادورو سراً في كاراكاس نهاية نوفمبر لاستطلاع فرص فتح مسار تفاوضي مع الولايات المتحدة.
كما تكشف مصادر حكومية فنزويلية أن اتصالاً هاتفياً جرى مؤخراً بين ترامب ومادورو اتسم بـ“الود الحذر”، إذ أعرب الرئيس الأميركي عن رغبته في رحيل مادورو دون توجيه أي تهديد مباشر، واتفق الطرفان على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة.
وعلى الصعيد العسكري، استكملت الولايات المتحدة منذ وصول حاملة الطائرات “يو إس إس فورد” نشر آلاف الجنود والطائرات والسفن قرب السواحل الفنزويلية، مترافقة مع تحليق طائرات أميركية قرب المجال الجوي الفنزويلي، ما عزّز مخاوف كاراكاس لكنه أيضاً زاد تماسك الأجهزة الأمنية المحيطة بالرئيس.
وتقول مصادر إن مادورو بات يتنقل تحت حماية مشددة، ويمارس رقابة صارمة على نشاطاته العلنية، إذ ألغى مقابلة مع وسيلة إعلام غربية لعدم ضمان الظروف الأمنية. وفي خطاب قصير في كاراكاس الأسبوع الماضي، قال مادورو وسط موسيقى دعائية: “عشنا 22 أسبوعاً من الإرهاب النفسي الذي اختبر صبرنا”. وتُعد التجمعات المفاجئة والمدارة جماهيرياً الشكل الوحيد المتبقي لظهوره العلني.
ويشهد الاقتصاد الفنزويلي مزيداً من التدهور مع انسحاب عدد من شركات الطيران الدولية عقب تحذير ترامب من استخدام الأجواء الفنزويلية، فيما تشير تقارير تجارية من كاراكاس إلى تراجع حاد في المبيعات مع توجه المواطنين إلى الادخار خوفاً من مواجهة عسكرية.
ورغم تداول أحاديث داخل دوائر ضيقة في الحكومة حول استعداد نظري للنظر في خيار المغادرة، إلا أن مقربين من مادورو يقولون إنه يعتبر المنفى مخاطرة أكبر من البقاء، مستنداً إلى سوابق قادة لاتينيين انتهت حياتهم بشكل مأساوي بعد خروجهم من السلطة، مثل البوليفي خوان خوسيه توريس والنيكاراغوي أنستاسيو سوموزا. وتُطرح تركيا كوجهة محتملة للمنفى بسبب علاقتها الوثيقة مع كاراكاس، غير أن المصادر تنفي مناقشة هذا الخيار خلال الاتصال الأخير مع ترمب.
وفي المقابل، تكشف الوثائق الأميركية أن فريق ماتشادو أعد خططاً مفصلة لإدارة الساعات الـ100 والأيام الـ100 الأولى بعد سقوط مادورو، تشمل تنظيم انتخابات خلال عام. وتقدّر المعارضة أن "تطهيراً محدوداً" داخل الجيش قد يكون ضرورياً، وأن نحو 20% فقط من ضباط المؤسسة العسكرية "غير قابلين للإصلاح". إلا أن شخصيات أخرى في المعارضة تحذر من ضعف التواصل مع الجيش، معتبرة أن انهيار النظام المفاجئ قد يفتح الباب أمام فوضى يصعب السيطرة عليها.


