كشفت مصادر مطلعة لـ"العربية" و"الحدث" أن حكومة طالبان عقدت اجتماعاً موسعاً في العاصمة الأفغانية كابل، أمس الأربعاء، شارك فيه نحو ألف عالم دين من مختلف مناطق أفغانستان، بحضور رئيس الوزراء ملا حسن آخوند وقاضي القضاة عبد الحكيم شرعي، المقرّب من زعيم طالبان.
وقالت المصادر إن الاجتماع انتهى بإصدار وثيقة تتضمن فتاوى وقرارات تحرّم القتال خارج الأراضي الأفغانية، وتلزم الحكومة باتخاذ إجراءات عقابية بحق كل من يشارك في جبهات قتالية خارج البلاد.
وأضافت مصادر "العربية" و"الحدث" أن انعقاد الاجتماع جاء بأمر مباشر من زعيم طالبان ملا هبة الله آخوندزاده، في ظل التوترات الإقليمية المحيطة بأفغانستان، وبموجب هذه التوجيهات، منح العلماء الحكومة صلاحيات واسعة لاتخاذ ما يلزم بحق المخالفين للقرارات الصادرة عن المؤتمر الديني.
وحصلت "العربية" و"الحدث" على الوثيقة الرسمية التي خرجت عن اجتماع العلماء، وتتضمن 5 قرارات رئيسية، أبرزها التأكيد على أنه "لا يجوز لأي أفغاني التوجه إلى دول أخرى للقيام بأنشطة عسكرية أو قتالية"، والتشديد على الحكومة بمنع أي شخص يحاول مغادرة البلاد للقتال.
كما تضمنت الوثيقة التزام طالبان بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة أخرى، مؤكدة أنه "يجب على الجميع عدم مخالفة هذا الالتزام"، وهي صيغة واسعة يرى مراقبون أنها لا تقتصر على الأفغان فقط، بل تشمل كل من يتواجد على الأراضي الأفغانية.
وأكدت الوثيقة كذلك وجوب الدفاع عن أفغانستان ضد أي اعتداء، وشددت على دور العلماء في تقديم الرأي، والحث على الالتزام بتوجيهاتهم في كافة شؤون البلاد.
ويأتي هذا الاجتماع في ظل توترات حدودية شديدة بين أفغانستان وباكستان منذ أكتوبر الماضي، حيث شهدت الحدود اشتباكات عنيفة وغير مسبوقة أسفرت عن مقتل وإصابة المئات من الجانبين، وسط اتهامات باكستانية لطالبان بالسماح لعناصر حركة طالبان باكستان باستخدام الأراضي الأفغانية للتخطيط لهجمات ضدها.
وتطالب إسلام أباد كابل باتخاذ خطوات صارمة لكبح الجماعة الباكستانية، فيما تنفي طالبان الأفغانية وجود أي مقاتلين أجانب داخل البلاد.
وشنّت القوات الباكستانية عدة غارات خلال السنوات الأربع الماضية على مناطق داخل الأراضي الأفغانية قرب الحدود، وقالت إنها استهدفت عناصر من حركة طالبان باكستان، لكن أفغانستان ردّت بالقول إن المستهدفين هم من اللاجئين الباكستانيين المقيمين داخل البلاد.
وأعلنت طالبان العام الماضي خطة لنقل اللاجئين الباكستانيين إلى مناطق بعيدة عن خط الحدود، بهدف خفض مستوى التوتر، إلا أن باكستان رأت أن تلك الخطوات غير كافية.
وبحسب الوثيقة التي اطلعت عليها "العربية"، شددت القرارات على أن الأمير الشرعي لم يمنح إذناً لأي أفغاني بالخروج إلى الخارج للقتال، وأن أي مخالفة تُعد "معصية"، وأن من حق الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين.
وقال مسؤول كبير في حكومة طالبان لـ"العربية" و"الحدث"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن الاجتماع "لا يتعلق بالتوترات مع باكستان أو بحركة طالبان باكستان"، مضيفاً أنه "إجماع من العلماء، بأمر من الزعيم، على منع الأفغان من القتال خارج أفغانستان، سواء في باكستان أو غيرها".
ويرى المسؤول أن هذه "قرارات مهمة جداً في توقيتها"، ويمكن -على حد قوله- أن تنظر دول المنطقة إليها بإيجابية لأنها تعكس التزام طالبان بمنع استخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة.
كما شدد علماء طالبان خلال اجتماعهم على ضرورة إقامة "علاقات طيبة وبنّاءة" بين الدول الإسلامية في إطار الأخوة، داعين إلى تجنب النزاعات والخلافات، وإلى رفع مستوى الوعي الشعبي عبر المنابر الدينية.
ويرى مراقبون أن الوثيقة التي صدرت عن اجتماع العلماء تمثل رسالة تطمين من طالبان إلى المجتمع الدولي، بأنها ملتزمة بمنع استخدام الأراضي الأفغانية ضد دول أخرى، وعدم السماح للأفغان بالقتال خارج حدود البلاد.


