شكّلت وفاة الفريق أول الركن محمد علي الحداد، رئيس أركان الجيش الليبي، وعدد من كبار الضباط المرافقين له، إثر تحطم الطائرة التي كانت تقلهم من تركيا نحو العاصمة طرابلس، صدمة قوية داخل الأوساط العسكرية والسياسية في ليبيا، وسط تساؤلات متزايدة بشأن تداعيات الحادث على تماسك المؤسسة العسكرية والتوازنات الأمنية في البلاد.
وخلال فترة توليه منصب رئيس الأركان، مثّل الحدّاد حلقة وصل أساسية بين القيادة السياسية في طرابلس والمؤسسة العسكرية وعدد من الجماعات المسلحة الفاعلة في الغرب الليبي، وأسهم في أكثر من مناسبة في احتواء توّترات أمنية ومنع انزلاقها إلى مواجهات واسعة، خاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني وتعدد مراكز القوة في هذه المنطقة.
كما لعب الحداد دوراً بارزاً في ملف توحيد المؤسسة العسكرية، عبر مشاركته في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، ومن خلال التواصل والتفاوض مع قيادات عسكرية في الشرق، الأمر الذي من بين الشخصيات القليلة التي تحظى بقدر من القبول في مشهد منقسم.
ومع الإعلان عن وفاته ورفاقه من كبار الضباط في حادث تحطم الطائرة، برزت مخاوف جديّة حول قدرة المؤسسة العسكرية على الحفاظ على تماسكها في المدى القريب وتجاوز هذه الخسارة، خاصة أنّهم يمثلون خبرات قيادية يصعب تعويضها سريعا، خصوصا في ظرف أمني غير مستقر.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أن الغياب المفاجئ لشخصية محورية مثل الحداد، يشكلّ خسارة رؤية قيادية موحدة على المستوى العسكري في الغرب الليبي، مضيفاً أنّ هذا الغياب قد يؤدي إلى ضرب التنسيق بين الألوية والوحدات العسكرية المختلفة داخل المنطقة الغربية وإلى عودة التنافس على النفوذ عبر الولاءات المحلية والمناطقية وضرب مساعي الإصلاحات المؤسسية في القوات المسلحة بالغرب الليبي، خاصة إذا لم يتم اختيار خليفة قوي ويحظى بالاحترام والقبول الواسع الذي كان يحظى به الحداد.
وتابع أن رحيل الحداد الذي كان يحظى باحترام في الشرق الليبي ويعتبر حلقة وصل بين الشرق والغرب وعامل ثقة من خلال تركيزه الدائم ومطالبته بنبذ الفرقة ووقف النزاعات والجلوس على طاولة واحدة للنظر في مستقبل ليبيا، سينعكس سلبا على جهود توحيد المؤسسة العسكرية التي تسير بنسق بطيء.
وأشار في تصريح لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، أن غيابه سيترك فراغاً في مجال الخبرة العسكرية المؤسسية التي يصعب تعويضها سريعاً، خاصة في مؤسسة لا تزال في طور البناء والتأسيس وتأخذ خطوات بطيئة تجاه التوحيد، مضيفاً أنّه بدون وجود بديل يتمتع بنفس الرؤية العسكرية، قد يؤدّي إلى إطالة أمد هذا المسار.
وخلّص فركاش إلى أن وفاة الحداد تمثل ضربة كبيرة للمؤسسة العسكرية الليبية وللقوى التي تسعى إلى توحيدها، خاصّة أن دوره لم يكن عسكرياً فقط، بل اتخذّ أحياناً الطابع السياسي، الأمر الذي قد يؤثر على التوازنات العسكرية في الغرب الليبي ويجعلها أكثر هشاشة، مع احتمال بروز تحالفات محلية أكثر تأثيراً في المدى القصير.
ويطرح رحيل الحداد ورفاقه من كبار الضباط تساؤلات حول مستقبل التوازن الأمني في الغرب الليبي، وقدرة المؤسسة العسكرية على ملء الفراغ القيادي وضمان استمرارية مسار توحيد المؤسسة العسكرية.


