“هل ستترك الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران ندوبًا (scars) على خريطة لبنان الاجتماعية عندما تنتهي؟”، سألني صديقي السفير المتقاعد بإنكليزيته المطعّمة بلهجة دولته بعدما أخبرني أنّه يشغل منصب مدير منطقة الشرق الأوسط في مركز خاص للأبحاث.
أجبته بأنّه ليست لديّ معطيات بأنّ لبنان سيتعرّض للتقسيم وتتغيّر خريطته، فأسهب في توضيح مقصده: “لم أقصد تقسيم لبنان، لطالما كنت تقول أن لبنان أصغر من أن يُقسّم. أنا مهتم بخريطة النسيج الاجتماعي، تسمّوهم طوائف في لبنان، وسؤالي هو: هل ستشهدون ترحيل شرائح من السكان؟
He said: “I didn’t mean partitioning Lebanon, you always said Lebanon is too small to be partitioned. I’m interested in the social fabriq map, you call them sects in Lebanon, the question is: would you have population transfer؟”
واعتبر أن “المنطقة كلها تشهد تبدّلات سكانيّة. العراق مقسّم مع أنه دولة فيدرالية. الشمال الكردي مقسّم إلى قسمَيْن كرديَيْن، بارزاني وطالباني، والعراق الجنوبي من ملتقى نهرَيْ دجلة والفرات في منطقة القرنة حيث يتكوّن شط العرب هو كانتون شيعي، والوسط العراقي سنّي، ومدينة “الثورة” التي أسّسها الشيوعيون في زمن عبد الكريم قاسم تحوّلت إلى “مدينة صدام”، في الزمن السابق نسبةً إلى الرئيس صدام حسين والآن صار اسمها “مدينة الصدر”، نسبةً إلى المرجع الشيعي محمد صادق الصدر الذي اغتيل في العام 1999 وهو والد مقتدى الصدر”.
واعتبر أنّ اليمن “قصة محزنة بذاتها عاصمتها الشمالية صنعاء احتلها الحوثيون الذين هم من أذرع أخطبوط إيران”.
“Yemen, by itself, is a Sad Story. Its Northern capital, Sanaa, has been occupied by the Houthis who are Iran’s octopus Arms”, he said.
ولفت إلى أنّ العاصمة الشرعية انتقلت إلى عدن قبل أن يقع الجنوب تحت سيطرة “المجلس الانتقالي الجنوبي اليساري الذي أعاد زمن التقسيم وأحيا ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، التي شاركت في قوات الردع العربية في لبنان بكتيبة من المغاوير وساندت مقاتلي اليسار اللبناني ومنظمة التحرير الفلسطينية ضدّ قوات بعث حافظ الأسد.
وأكّد أن جميع عمليات التقسيم في العراق واليمن رافقها ترحيل سكاني، حتّى سوريا الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع شهدت هجرةً من أتباع نظام بشار الأسد إلى لبنان وانقسامًا درزيًا واكبهما ترحيل سكاني إضافةً إلى الصراع بين “قسد” وحكومة الشرع التي تحاول تركيا أن تقنع أميركا برفع غطائها عن قسد الكردية لقاء تشديد الحصار البري من سوريا على حزب الله بلبنان والحصار الجوي على المسافرين من إيران إلى لبنان عبر مطارات ومرافئ تركيا ما يُساهم في تجفيف أموال الحزب الإيراني.
يذكر أنّه يتواجد في لبنان عائلات من أتباع نظام الأسد البائد يقدّر تعدادها بـ 90 ألف شخص يُقيمون في مناطق البقاع الشمالي الشرقي وشمال لبنان بحراسة “حزب الله” وتتولّى منظمات غير حكومية ذات طابع دولي مساعدتهم غذائيًا وصحيًّا علمًا أن بينهم ما يقدّر بـ 10 آلاف جندي نظامي تُحاول قوات سوريا الجديدة منع وصول أسلحة وذخائر إليهم وتُطالب باستردادهم من لبنان.
وقد أحبطت قوات الشرع خلال الشهر الحالي محاولات تهريب آلاف الألغام القافزة (Bouncing Mary) مكتملة التجهيز بصواعقها وقذائف “ب-7” مع شحناتها الدافعة، ما يوحي بأنّ هذه القوات تُعَدُّ للمشاركة في هجماتٍ بقيادة ضباط موالين لنظام الأسد في الساحل السوري الملاصق لحدود لبنان الشمالية، مستهدفين الأعمال والكنائس وزينة الميلاد في البلدات المسيحية في محاولة لضرب الاستقرار وإظهار النّظام الجديد وكأنّه نظام تكفيري إسلامي ما يؤدّي إلى تهجير سكاني يبقى لبنان أولى محطات أمانه.
ونقل السفير عن “رجال أعمال مسيحيين في بعض مدن الساحل السوري قولهم إنّ “بعض المُلتحين الذين كانوا يزعمون أنّهم من موظفي الإفتاء حاولوا منذ شهرين الضغط على أصحاب المتاجر والمسابح (المسيحيين) لعدم بيع مشروبات للمسلمين وعدم استقبال نسائهم في المسابح علمًا أنّه ليس لموظفي الإفتاء أيّ صلاحية للتعاطي مع الناس أمنيًّا، لكنّهم اختفوا بعد تقديم شكوى إلى الداخلية”.
وكرّر سؤاله بصيغةٍ أكثر وضوحًا: “هل تعتقد أنّ لبنان سيشهد ترانسفير شعبي إلى خارج الحدود؟ وهل سيستقبل مهجرين من خارج الحدود؟”
أوضحت له أنّ حركة المجموعات المدنية “ضمن الحدود المعترف بها دوليًا” مرتبطة بطبيعة الصراع، فالمناطق التي تقصفها إسرائيل لوجود أهداف “لحزب الله” فيها يغادرها سكانها، والمناطق التي يحتلها “حزب الله” يُغادرها سكانها الذين يعارضون الحزب المسلّح كما في بلدة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية التي لم يبقَ فيها مسيحي مع أنّها بلدة رئيس الجمهورية الأسبق ميشال عون المتحالف مع حزب الله.
بعض الضواحي ذات الأكثرية السكّانية المسيحية تقليديًا كالحدث وفرن الشباك وعين الرمانة شهدت إقبالًا من المسلمين السنّة على الانتقال إليها بعدما احتل حزب الله” مناطقهم عندما اجتاح بيروت الغربية في شهر أيار العام 2008.
لا يوجد معلومات مؤكدة عن عمليات تجنيس لغير اللبنانيين مع أنه سُجّل إقبال على زواج لبنانيين من فتيات فلسطينيات سوريات من أتباع تنظيمات كانت موالية للأسد كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وفتح – الانتفاضة وحركتَيْ حماس والجهاد الإسلامي المتحالفتَيْن مع إيران ما يمنح الجنسية للسيّدات المتزوّجات من لبنانيين.
وكرّر سعادة السفير المتقاعد – الباحث النشط سؤاله: “هل تعتقد أن لبنان سيشهد ترانسفير بشري بالاتجاهين؟!”
“When guns fall silent new comers would usually be the new facts”, I replied.
لفتّه إلى أنّه “عندما تصمت المدافع يكون القادمون الجدد عادة هم الحقائق الجديدة”. وبغضّ النظر عمّا إذا تبنّى لبنان “حصر السلاح” أو “حظر المسلحين” أو خيار “أمن وطني”، سيكون الجواب هو ما يتقرّر في لقاء نتنياهو وترامب في فيلادلفيا أواخر الشهر الحالي، ولا تعارضه أنقرة والرياض والقاهرة لأنّ زمن الحلّ اللبناني التقليدي القائم على معادلة “لا غالب ولا مغلوب” قد ولّى.
محمد سلام لـ “هنا لبنان”


