هل تكون الطيور المهاجرة أذكى من "القواص"، على اعتبار أن الأخير يختلف عن الصياد المستدام الذي يعرف ما يحق له من الطيور وما لا يحق؟. ربما الإجابة في إسبانيا حيث اختارت مجموعات طيور اللقلق اختزال هجرتها الموسمية منحازة الى الطقس الدافئ -وهو مرادها- مع الفوز بوجبات جاهزة على غرار البشر الذين باتوا يفضلون البرغر على "الملوخية". والنتيجة أنّ الانسان الذي أرعب تلك المجموعات التي تحط في الواحات الخضراء على خط مسارها من أوروبا الى أفريقيا ومن ثم العودة إليها، أسهم في تغيير أنماط الهجرة، علما أن تلك الطيور تسدي خدمات للمزارعين بالقضاء على الحشرات والزواحف والجراد الذي يهدد محاصيلهم الزراعية.
ماذا عن الأرقام؟
تعتبر المنطقة العربية، ومنها لبنان، فضلاً عن البحر الأحمر، ممرّاً طبيعياً لطيور اللقلق خلال هجرتها صيفاً من إفريقيا باتجاه أوروبا، وتعد ثاني اهم مسار لهجرة ملايين الطيور في العالم، والسبب أن هذا الطائر-هناك 17 نوعا منه- يحتاج إلى تيارات حرارية أثناء هجرته غير موجودة فوق البحر المتوسط.
في أحدث الدراسات بخصوص الطيور المهاجرة، بيّن مسح أجري عام 2020 أن نحو 70 في المئة من مجموعات طيور اللقلق ألغت فكرة الهجرة واختارت الاستقرار في الدول الأوروبية. في حين يفدّر "المجلس العالمي لحماية الطيور" بأن هناك ما بين 1.7-4.6 مليون طائر-من 413 نوعا على الأقل- يقتلون سنويا، ولاسيما السعودية وإيران والعراق ولبنان ومصر واليمن. وللتوضيح، لا يصنّف اللقلق دوليا من الطرائد وإنما من الطيور المحمية بموجب اتفاقية حفظ الأنواع المهاجرة من الحيوانات البرية(CMS )، والتي تعد معظم البلدان أطرافًا فيها.
لبنان "المضياف" و"القاتل"
في عام 2004، أقرّ لبنان قانون الصيد الذي ينظم العلاقة بين الصياد والصيد ويحمي التنوع البيولوجي والطيور والحيوانات، تبعه إنشاء المجلس الأعلى للصيد البري، وبموجب هذا القانون بات على وزير البيئة تحديد تاريخ افتتاح وانتهاء موسم الصيد والطرائد، وتنظيم رخص الصيد والخضوع لامتحان في نواد خاصة، وتحديد العقوبات على المخالفين، كما أعطى لعناصر قوى الأمن الداخلي وحراس الأحراج والمحميات.
ينتقد رئيس مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام والمنسق الميداني لجمعية حماية الطبيعة في لبنان أدونيس الخطيب قرار تمديد منع الصيد في لبنان موضحا:"يؤدي هذا الاجراء الى قطع خط التواصل بين الصياد ودور الوزارة في تنظيم القطاع". يتابع: "حين يمنع الصياد المسؤول من التواجد على الأرض، فإنه يترك الساحة لـ"القواصين" الذين يباهون باستعراضاتهم الواهية على مواقع التواصل الاجتماعي معرضين الطبيعة للخطر ". ويلفت:" لبنان ثاني أهم ممر لهجرة الطيور في العالم بعد ممري أميركا الشمالية والجنوبية".
ما الحل؟
يؤكد الخطيب بأنه لابد من فتح موسم الصيد لأن الصياد المستدام شريك مسؤول في حماية الطبيعة، يوضح الخطوات:"نسعى بالتعاون مع لجنة حماية الطيور المهاجرة (CABS)، الى تشكيل مجموعات صيد مسؤولة وتنظيم دورات توعية وإعداد صيادين مستدامين، ولاسيما في عكار والبقاع الغربي".
اتحاد مجموعات الصيد البري
لا يوافق رئيس مجموعات اتحاد الصيد البري في لبنان حسن سلمان على فكرة أن طائر اللقلق مهدد من الصياد، يقول:" الخطر الأكبر بفعل التطور الزراعي لجهة استخدام المبيدات العشبية والحشرية، ما ينعكس على حياته وخصوبته. صحيح أن أعداده تراجعت في السابق لكنه بات يتكاثر وفي مأمن. ومن بين 200 ألف صياد هناك نحو 500 فقط يخالفون القانون ".
وينفي سلمان أن يهدد قتل 500 طائر لقلق التنوع البيولوجي موضحا:"يتكاثر هذا الطير في حدود 60 ألفا، وتبقى أعداد الطيور التي تتعرض للقتل خلال هجرتها تحت السيطرة، ولكن المسألة أخلاقية إذ لماذا يقتل طالما لا يؤكل. والقضية هنا ليست بيئية وإنما تسجل باعتبارها مخالفة لقانون الصيد".
من جهته، يثمن دور مجموعات الصيد المنضوية تحت عهدة الاتحاد، وتقدر ب35 مجموعة ونحو 200 ألف متابع، يقول:"من ضمن حملات التوعية، تعمل المجموعات البيئية الناشطة على الترويج لفكرة مراقبة الطيور وتصويرها خلال رحلة العبور بدلا من صيدها. نحن علينا نشر وتوعية دور هذا الطير في النظام البيئي ومفهوم الاستدامة بما ينعكس على نوعية حياة الانسان، ولاسيما أن هناك أماكن تسمى عنق الزجاجة في لبنان تستهوي الصيادين باعتبارها ممرات للطيور، وهنا المعضلة أن مساحة لبنان صغيرة وعدد الصيادين كبير ويعني ذلك أنه من غير الآمن حصرهم في أماكن صيد محددة".
يقيّم سلمان الوضع الحالي:"نحن في رضى عن الأرقام والقوى الأمنية والجمعيات لجهة التوعية والاستمتاع بمرور هذا الطائر، ويبقى أنه على وزارة البيئة أن لا تتهرب من مسؤولياتها في قطاع الصيد".
CABS
تؤكد لجنة حماية الطيور المهاجرة( CABS)، بأنها مع بدء موسم هجرة الربيع ومرور طيور اللقلق والبجع والطيور الجارحة وأنواع أخرى محمية فوق لبنان، بدأت في نصب معسكرات الحماية على الأراضي اللبنانية بالتعاون مع جمعية حماية الطبيعة في لبنان ووحدة مكافحة الصيد الجائر والبلديات والقوى الأمنية للحيلولة دون حصول مجازر بحق هذه الطيور.
ومع ذلك تأسف اللجنة من الفيديوهات التي تردها، ولاسيما أن أعدادا كبيرة من تلك الطيور قضت قبل أن تتمكن فرق الإنقاذ من معالجتها. توضح:" لقد بدأت حملاتنا نصف السنوية لمكافحة الصيد الجائر في لبنان عام 2017 وحققت تقدمًا إيجابيًا، ولاسيما لجهة التوعية وحماية التنوع في جميع أنحاء البلاد. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لازالت هناك مئات الطيور التي تسقط في الغابات والبراري بفعل الصيد، وليس آخرها طائر يحمل حلقة رومانية، وجدوا ضرورة في لجوئهم معه الى القتل الرحيم بسبب إصابته البالغة".
الموطن
وفي حين تستباح طيور اللقلق على طول مسار الطيران الأفريقي الأوراسي، ويحتفي لبنان شكليا بإطلاق طوابع تحمل رسم اللقلق الذي يعد "أيقونة" الطيور، و"يجن" مسلحو الغابات بحثا عن طرائد، تخوض مناطق الريف البولندي تجربة مميزة حيث يتخطى عددها في الصيف عدد السكان، الذين يؤمنون بأنها تجلب الحظ والسيّاح وإنجاب الأطفال بحسب الأساطير البولندية القديمة. لذلك يبنون لها بيوتاً وأعشاشاً خاصة فوق بيوتهم وفي محيطهم وقرب المستنقعات لتضع هذه الطيور بيوضها، علما أن بولندا تضم نحو 20 في المئة من مجموع طيور اللقلق في العالم.