بعد اجتياز الركود والصراعات العسكرية، ربما تكون شركات التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية في مواجهة أكبر اختبار لها على الإطلاق بعدما قضى انهيار بنك سيليكون فالي على مصدر تمويل رئيسي بينما تهدد تعديلات قضائية مزمعة الأساس الذي يقوم عليه قانون الشركات.
استفاد الاقتصاد الإسرائيلي من موجة نجاح في قطاع التكنولوجيا الذي يعمل به عشرة بالمئة فحسب من القوة العاملة في إسرائيل ويمثل حوالي 15 في المئة من ناتجها الاقتصادي وأكثر من نصف الصادرات وربع العائدات الضريبية.
لكن مقترحات الائتلاف اليميني المتشدد الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي تمنح الحكومة سلطة أكبر في اختيار القضاة وتحد من صلاحيات المحكمة العليا في إلغاء القوانين أثارت قلق المستثمرين الحاليين والمحتملين.
وقالت كارنت فلوغ، المحافظة السابقة لبنك إسرائيل (المركزي) التي تشغل حاليا منصب نائب الرئيس في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، "قطاع التكنولوجيا المتقدمة يحتاج إلى استقرار، يحتاج لأن تكون قواعد اللعبة واضحة، يحتاج ليقين… بوجود محاكم يمكنه اللجوء إليها"، مضيفة أنه بدون ذلك سيحجم المستثمرون عن ضخ الأموال.
من المخاطر المحتملة أيضا تسريع هجرة العقول. يعيش حوالي 100 ألف إسرائيلي بالفعل ويعملون في وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا الأميركية وانتقل الكثيرون غيرهم إلى أوروبا. وتشير بيانات الحكومة إلى وجود حوالي ستة آلاف وظيفة شاغرة حاليا في قطاع التكنولوجيا الذي يضم حوالي 400 ألف وظيفة إجمالا.
وقالت فلوغ للمجلس الإسرائيلي للعلاقات الخارجية "هذا القطاع… سيأخذ عقولهم… وأفكارهم وريادة أعمالهم، وستضع لهم بعض الدول السجادة الحمراء".
وافق البرلمان على التشريع المقترح الذي يقول مؤيدوه إنه ضروري للحد مما يعتبرونه تدخلا من جانب القضاء في الشؤون السياسية بينما يقول معارضوه إنه تهديد للديمقراطية. لكن الموافقة النهائية تأجلت لمدة شهر إثر اندلاع احتجاجات واسعة.
وقالت عدة شركات للتكنولوجيا المتقدمة، مثل شركة الأمن الإلكتروني الأميركية الإسرائيلية ويز، إنها ستسحب أموالها من إسرائيل وتمنع التمويلات من دخولها إذا جرى إقرار التعديلات المقترحة، بينما قال رئيس شركة نايس للبرمجيات السحابية إن مستثمرين كبارا يتابعون الموقف بكل دقة.
وفي غضون ذلك، هبط الشيقل الإسرائيلي لأدنى مستوياته في ثلاث سنوات أمام الدولار بفعل توقعات بتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بعدما سجل 15 مليار دولار العام الماضي وبلغ مستوى قياسيا عند 27 مليار دولار في 2021.
ووفقا لكل من مركز آي.في.سي للأبحاث ولومي تك، جمعت شركات التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية تمويلات قيمتها 1.7 مليار دولار في الربع الأول من العام بانخفاض 70 في المئة من 5.8 مليار دولار في الشهور الثلاثة الأولى من 2022 ومسجلة أدنى مستوى فصلي من جمع التمويلات في أربع سنوات.
* بنك الملاذ
تتزايد المخاوف بقطاع التكنولوجيا أيضا بسبب انهيار بنك سيليكون فالي الأميركي الذي وصفه جون ميدفيد الرئيس التنفيذي لشركة أور كراود للاستثمار بأنه "بنك الملاذ" للشركات الناشئة الإسرائيلية - وهي مجموعة تتكون من سبعة آلاف شركة بعضها تقدر قيمته بمليار دولار على الأقل وبعضها شركات صغيرة يعمل بها ما لا يزيد عن 50 موظفا.
وقالت شركات ومستثمرون برأسمال مخاطر إن أكثر من نصف الشركات الناشئة في إسرائيل لديها حسابات في بنك سيليكون فالي، وكانت تلك الحسابات بالنسبة لبعضهم هي الأداة المصرفية الوحيدة في الولايات المتحدة، لكن حجم التعاملات غير معروف على وجه التحديد.
وقال ميكي بالتر الرئيس التنفيذي لشركة أورينت لأنظمة تحديد المواقع في الأماكن المغلقة إن بنك سيليكون فالي كان البنك الأميركي الوحيد للشركة، مضيفا أنها تمكنت لحسن الحظ من تحويل 70 في المئة من ملايين الدولارات من حسابها هناك إلى إسرائيل تاركة البقية لدى البنك الأميركي.
ظن بالتر في البداية أن شركته خسرت الثلاثين في المئة المتبقية لكنه استعاد القدرة على الوصول إليها فور تولي الجهات التنظيمية إدارة البنك. وقال "لو حدث ذلك لكان مؤلما للغاية... قبل (تولي الجهات التنظيمية الإدارة) توقعت خسارة معظم سيولتنا التشغيلية".
وقال بنك لومي الإسرائيلي إنه تمكن من نقل مليار دولار إلى حسابات محلية قبل تولي الجهات التنظيمية الأميركية السيطرة على البنك، وهو ما يقول مستثمرون إنه حوالي نصف المبلغ الذي تشير التقديرات إلى عودته.
وقالت شركات ومستثمرون في قطاع التكنولوجيا إن بنك سيليكون فالي كان مصرفا فريدا من نوعه، إذ كان على دراية بمناخ قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي ويمنح قروضا بشروط لا يقدمها بنك آخر.
وقال ميدفيد "هؤلاء الشبان كانوا مهنيين للغاية وكان العمل معهم رائعا... البنوك يمكن أن تكون مزعجة في هذه الأيام... هؤلاء الشبان لم يكونوا كذلك".
وقال آدم فيشر الشريك بمؤسسة بيسمر فينتشر بارتنرز للاستثمار إنه بسبب التعديلات القضائية ربما يقل عدد البنوك الأميركية المستعدة لإقراض الشركات الإسرائيلية وهو ما يعني منافسة أقل وشروطا أكثر صرامة.
وقال "ستدخل البنوك المحلية على الخط إلى حد ما لكن لا يمكنها زيادة محافظ القروض بنسبة كبيرة بين عشية وضحاها".
وقال مسؤول تنفيذي كبير بأحد البنوك الإسرائيلية إنه يرى فرصة لتعزيز الإقراض للشركات الناشئة إلا أن البنوك المحلية وحدها لن تكون قادرة على ملء الفراغ الذي تركه بنك سيليكون فالي.
وأضاف "ليس لدينا طموح (تقديم) مليارات الدولارات لكننا بالتأكيد نطمح لزيادة محفظتنا بواقع المثلين أو الثلاثة".
لذلك فإن من المرجح أن تُقبل شركات التكنولوجيا الإسرائيلية على التسجيل كشركات أمريكية مع الإبقاء على أنشطة البحث والتطوير في إسرائيل، بحسب يارون ساميد الشريك المدير في صندوق تك أفيف فاوندر بارتنرز.
وقال ساميد إن بعض البنوك الأميركية الكبيرة عرضت فتح حسابات إيداع للمتضررين من انهيار بنك سيليكون فالي، وقالت شركة بركس للتكنولوجيا المالية إنها فعلت ذلك أيضا. وعرضت مؤسسات مالية أخرى تقديم سيولة طارئة لكن بأسعار فائدة أعلى.
وقال ساميد "لا شك أن هناك بعض الشركات التي لم يكن بمقدورها الاستمرار إلا بالتسهيلات الائتمانية المقدمة من بنك سيليكون فالي... سيكون هناك بعض التقليص. كان ذلك واقعا بالفعل بسبب العوامل المحركة للاقتصاد الكلي وأسواق الاستثمار المباشر لكن هذا سيعجل به".
ومضى قائلا إن التعديلات القضائية المقترحة دفعت بعض الممولين المحتملين للانسحاب أو طلب مهلة أطول للتفكير بعد أن بلغوا "مراحل متقدمة" من المفاوضات الاستثمارية مع بعض مؤسسي الشركات الناشئة الإسرائيلية. ورفض ساميد ذكر أسماء شركات بعينها بناء على طلب الشركات.
وأضاف "الشركات ذات الوضع المتين ستستمر أما الشركات التي ليس لها نفس الوضع المتين فلن تستمر".
رويترز