مقالات لبنان

خاص - الأمن والإقتصاد والجريمة.. هاجس اللبنانيين

قصص مروّعة أقرب ما تكون لحبكات أفلام الجريمة مما هي للواقع المُعاش، وكأنك تشاهد سلسلة جرائم أغلب ضحاياها نساء، من قتل وإغتصاب وإعتداء.

في الآونة الأخيرة، أصبحت هذه الأحداث تتكرر أمام اللبنانيين، وأخذت جرائم القتل والإغتصاب في لبنان، تنساب كالرمل، بين كفتيّ واقع مأزوم، وتفلتٌ أمنيٌ، أمسى يهدد حياة المواطنين.

خاص - الأمن والإقتصاد والجريمة.. هاجس اللبنانيين

جرائم صادمة!

أطلق رجل فلسطيني في حي قدادو في البرج الشمالي شرقي صور، النار من سلاحه الحربي على زوجته وإبنتيه، وأصابهن في إقدامهن قبل أن يطلق النار على نفسه وينتحر.
كما وقعت جريمة مروّعة في محلة صحراء الشويفات، وقعت ضحيتها زينب علي زعيتر (26 سنة) وأمّ لثلاثة أطفال، على يدّ زوجها المدعو حسن موسى زعيتر (27 سنة، لبناني) من بلدة حدث بعلبك، إذ أقدم الأخير على إطلاق حوالى عشر رصاصات بإتجاه زوجته، فأرداها قتيلةً على الفور. 

وبدم بارد، أقدم المواطن اللبناني المتقاعد في قوى الأمن الداخلي، عيسى سميّة، على قتل زوجته منى الحمصي، البالغة 50 عامًا، أمام منزل ذويها عند مدخل جبل محسن في طرابلس، بعد نحو 18 عاماً من التعنيف المنزلي، وثلاث سنوات من حرمانها من أولادها.


الإغتصاب والإعتداء الجنسي

كما ضجت مواقع التواصل الإجتماعي مؤخرًا، بحادثة محاولة إغتصاب صحافية بريطانية، في منطقة البيال في العاصمة اللبنانية، أثناء ممارستها رياضة الركض.
وبعد أن أعلنت القوى الأمنية اللبنانية توقيف المشتبه به في الإعتداء، تبين أنه نفّذ أكثر من "30 عملية" تحرش.


هذه عينة عن حوادث مماثلة، كل واحدة منها شغلت اللبنانيين فترة من الوقت، قبل أن تأتي أخرى. في هذا السياق تقول مديرة التأثير والمناصرة في منظّمة "بلان إنترناشيونال" راشيل شليطَا، إن هذه الجرائم ليست الأولى من نوعها، وحالات العنف ضد النساء وجرائم القتل، ليست بالقضايا الجديدة، فهي لطالما كانت موجودة، لكن مع وجود وسائل التواصل الإجتماعي، والسرعة في تناقل الأحداث، ساهم ذلك بتسليط الضوء عليها.

ولفتت شليطَا في حديثها لـ"وردنا" الى أن الوضع الإقتصادي الذي يمر به لبنان يلعب دورًا بارزًا في إرتفاع الجرائم، لكنه ليس المسبب، بل إن "غياب القضاء، والتبرير الدائم للجرائم تحت زريعة الدفاع عن الشرف، وأرجاء العقوبة التي لم تعد رادعة، جمعيها أسباب ساهمت بإرتفاع جرائم القتل".

جرئم الإعتداء الجنسي بالأرقام

تكشف أرقام القوى الأمنية عن تسجيل 57 حالة إعتداء جنسي منذ مطلع العام 2022 لغاية شهر تشرين الأول/ سبتمبر، أي بمعدل 6 حالات في الشهر، من ضمنها 20 حالة إغتصاب (جريمتا إغتصاب شهرياً)، و37 حالة تحرّش جنسيّ (نحو 4 جرائم شهرياً).


وفي حديث مع الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، قال لـ "وردنا"، إن المؤشّرات الأمنيّة قد شهدت تحسّناً ملحوظاً خلال الأشهر الثّلاثة الأولى من هذا العام، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2022، وتحديداً في جرائم القتل التي تراجعت بنسبة 28.2%، إذ سجلت 46 جريمة مقابل 33 جريمة.

لكن ما يقلق، يقول شمس الدين، هو الإرتفاع الملحوظ في الجرائم خلال آذار/مارس لدى مقارنته مع شهر شباط/فبراير 2023، إذ إرتفعت معدلات الإنتحار من 10 الى 15 جريمة، أي إرتفاع بنسبة 50 في المئة. 

وعلى عكس شليطا، لفت إلى أن الأزمة الإقتصادية لعبت دورًا أساسيًا في إرتفاع هذه النسبة، محذراً من مزيد من التدهور الأمني في الأشهر المقبلة في حال إستمرت هذه الأزمة.

كذلك لفتت الباحثة والدكتورة في العلوم الإجتماعية، زينب مروّة لـ"وردنا"، الى أن إرتفاع الجرائم يعود إلى أسباب إقتصادية سياسية وثقافية، مشيرةً إلى أن هذه الجرائم موجودة بنسبة معينة، "تنخفض في حالات التماسك الإجتماعي، وترتفع في حالات التفكك الإجتماعي".

وتابعت، إن وجود الضبط الإجتماعي والسلطة القانونية في المجتمع، هما العاملان الأساسيان لضبط هذه الجرائم، ومتى أصبح هنالك "إنحلال في القضاء وغياب في السلطة، نرى هذا التفلت والإرتفاع في الجرائم".

على الرغم من أن الجريمة، جزء لا يتجزأ من واقع المجتمعات البشرية، الّا أن لحظة وقوعها تترك آثارها النفسية،  وتغص مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام بالحديث عن وقعها السلبي، ومع وجود سلطة القانون تبقي العامّة مطمئنة الى أمنها الإجتماعي. فالأمن الاجتماعي ونظيره الإقتصادي عنصران متلازمان، ومع سلسلة الإنهيارات المالية والاقتصادية والاجماعية، الى جانب حالة الإنسداد السياسي والفراغ المؤسساتي، بدأت هواجس اللبنانيين تتزايد، بأن تبلغ نسبة الجرائم مستوى مرتفع لم تشهده البلاد من قبل، وتكون عودة الى مشاهد الأمن الذاتي. 

يقرأون الآن