عربي

يد البشير الملطخة بحرب السودان.. الإرث المتفجّر

تربط أستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل ويلو بيريدج بين ما يجري في السودان حاليا، من جنوح نحو حرب أهلية، وبين إرث حقبة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، على اعتبار أن ممارساته العنيفة أساءت كثيرا الى البلد.

يد البشير الملطخة بحرب السودان.. الإرث المتفجّر

البشير خلال محاكمته

تشير الباحثة في السياسات الإسلامية، والتي أعدت أخيرا كتابا عن "حسن الترابي"، من خلال مقالة نشرت اليوم الثلاثاء، في "The Conversation" البريطانية، إلى أنه "منذ استقلال السودان عام 1956، عاش السودانيون 35 انقلابًا ومحاولة انقلاب ومؤامرة انقلابية، أكثر من أي بلد أفريقي آخر. وعندما اندلعت انتفاضة عام 2019 ضد الرئيس السابق عمر البشير وتشكلت حكومة انتقالية مدنية عسكرية، كان السودانيون يأملون في أن تنتقل بلادهم إلى الحكم الديمقراطي".

وتتابع: "لكن آمالهم تبددت في تشرين الأول/أكتوبر 2021 عندما قاد عبد الفتاح البرهان انقلابًا ضد نظرائه المدنيين في الحكومة الانتقالية".

الجولة الأخيرة من الصراع هي الأسوأ 

تبدي بيريدج تخوفها من أنه "في الجولة الأخيرة من الصراع الذي بدأ في 15 نيسان/أبريل 2023، تلوح حرب أهلية في الأفق، من قبل الجهات الأمنية التي استفادت من معركة سقوط البشير" .

وتقول الباحثة التي تعمل في مؤسسة للسلام: "لقد درست السياسة السودانية لمدة 15 عامًا، وهذه الجولة الأخيرة من الصراع هي الأسوأ في تاريخ البلاد الحديث. ولا شك أن إرث حكم البشير مركز لهذه الكارثة. لقد سيطر على المؤسسات الحكومية لخدمة نظامه. واختار الصراع على التسوية في التعامل مع الجماعات المهمشة سياسياً، في دارفور وغربي السودان والجنوب. واستخدم القوة للتمسك بالسلطة. وعزز ذلك دعمه لـ"قوات الدعم السريع"، التي كانت تستخدم لصد المتمردين الإقليميين والجيش".

وتابعت: "يستمر إرث البشير في الظهور اليوم، إذ حشد حلفاؤه السابقون جهودهم لعرقلة الإنتقال إلى الحكم المدني، بموجب اتفاق إطاري وقّع في كانون الأول/ديسمبر 2022 من قبل الجيش وتحالف الجهات المدنية. وفي رأي بيريدج، أدى خوف البرهان من محاولات المدنيين لكبح الامتيازات العسكرية إلى الحفاظ على العناصر الرئيسية لنظام البشير. يلعب هذا دورًا مثيرًا للانقسام في الصراع الحالي".

وأضافت :"يتعلق جزء من إرث البشير بالسياسة الإسلامية. هذا هو الإرث الذي سعى محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، والذي يترأس القوة شبه العسكرية، إلى استغلاله لصالحه عندما وصف البرهان بأنه "إسلامي متطرف". وتم الترويج لهذا التوصيف لمناشدة القوى الغربية". لكنها لفتت: "لاستيعاب الواقع وما يجري على الارض، على المرء أن يفهم المسار الأيديولوجي لنظام البشير".


إرث نظام البشير 

عن هذا النظام، تقول الباحثة: "عندما شن البشير الانقلاب في عام 1989، كان يتصرف كممثل لخلية في جيش، وتسيطر على هذه الخلية الجبهة الإسلامية الوطنية، بقيادة حسن الترابي، الذي كان يدير الحركة الإسلامية السودانية منذ الستينيات. ولذلك، أصيب البشير بالإحباط بسبب فشله في تقديم نسخته من الشريعة الإسلامية من خلال الوسائل البرلمانية. وبعد فترة وجيزة من الانقلاب، بدأ البشير والترابي عملية تمكين هذه السياسة، التي لا يزال إرثها باقياً، مكنتهما من منح أتباع الإسلاموية ورؤساء الأمن المستعدين للتحالف معهم السيطرة على كل جزء من الحياة العامة في السودان تقريبًا. ورسمياً، شكل البشير حكومة تكنوقراطية مستقلة. لكن من الناحية العملية، تكمن القوة في تحالف عسكري إسلامي يدير البلاد من وراء الكواليس".

وتابعت: "خلال التسعينيات، شرع البشير في تطهير منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المستقلة في السودان. وبحلول نهاية العقد، كان قد اختلف مع الترابي. في عام 1999، أطاح به من الحكومة واختار ممثلين مختارين من المعارضة في نظامه في العقود التالية. وحافظ على التحالف العسكري الإسلامي كأساس لحزب المؤتمر الوطني. وفي تسعينيات القرن الماضي، استضافت الحكومة السودانية إسلاميين متطرفين سعوا إلى تصدير الثورة إلى الخارج والإطاحة بالأنظمة المجاورة. ومع ذلك، بعد الخلاف مع الترابي في عام 1999، حاول نظام البشير إصلاح صورته الدولية من خلال النأي بنفسه عن هذه الجماعات المسلحة. كما بدأ في التعاون مع وكالات الاستخبارات الغربية".

وأشارت الى أنه "في فترة البشير اللاحقة، دعمت الحكومة السودانية التحالف السعودي الإماراتي ضد الحوثيين الإسلاميين المتشددين في اليمن. وأشرف البرهان على هذا الأمر. وعندما ظهر الأخير كقائد عسكري انتقالي في عام 2019، استفاد من التصور بأنه جندي محترف أكثر من كونه إسلاميًا. وتماشت مصالحه الرئيسية مع المصالح الأساسية للجيش: الحفاظ على مكانته الاجتماعية والسياسية المتميزة. وأجرى البرهان الحسابات السياسية في عام 2021 بأن رؤساء الأمن والبيروقراطيين في عهد حزب المؤتمر الوطني كانوا أفضل حلفائه في المعركة لمنع المدنيين من تحدي توطيد قبضة الجيش على الاقتصاد، وظهور قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي كمركز بديل للقوة. بعد توليه السلطة، ضم رؤساء الأمن السابقين هؤلاء إلى الحكومة".


الحفاظ على البنية التحتية لنظام البشير

ولفتت أستاذة التاريخ، الى أنه في حين أن هؤلاء القادة ليسوا في الغالب من "الإسلاميين الراديكاليين"، يخشى الغرب، بالنسبة للعديد من السودانيين، أن يكون التزامهم المستمر بهوية عربية إسلامية محددة بدقة هو أمر مثير للانقسام. وبعد أن استولى على السلطة في عام 1989، أصر البشير على أن انقلابه كان حركة عسكرية تقليدية تهدف إلى إعادة النظام إلى الحياة العامة. ولا يزال البشير ، منذ سجنه في نيسان/أبريل 2019 ، يحافظ على هذا الخط. وكان الجيش الذي أطاح به يقرأ السيناريو نفسه. وبعد أربعة أشهر من إطاحة الجيش بالبشير ، وقّع إعلانًا دستوريًا مع التحالف المدني الرئيسي، قوى الحرية والتغيير".

وتوضح بيريدج هذه النقطة بالقول: "أدى ذلك إلى تشكيل حكومة انتقالية مشتركة بين الجيش والتحالف المدني. وأنشأت الحكومة لجنة لتفكيك شبكة الجمعيات الخيرية شبه الحكومية والمؤسسات الإعلامية والمصارف، التي مكنت البشير وحلفائه من الإبقاء على قبضتهم على السودان. لكن انقلاب البرهان عام 2021 عطّل ذلك. وتم إبعاد اللجنة واعتقال معظم المنخرطين البارزين فيها. لكن حتى قبل هذا الانقلاب، كان تفكيك نظام البشير يمثل تحديًا هائلاً".

وتعطي مثالا: "في عهد البشير، كانت وسائل الإعلام تحت سيطرة مالكيها المستقلين اسميًا. أما من الناحية العملية، كانوا من أصدقاء حزب المؤتمر الوطني، الذين هيمنوا على الاقتصاد السوداني".

لتختم الباحثة بالقول: "ربما يكون البشير قد سقط في عام 2019، لكن خلفائه العسكريين حافظوا على الكثير من البنية التحتية لنظامه. لا تزال بقايا ذلك النظام تقوض التحول الديمقراطي في السودان، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة في نهاية المطاف".

The Conversation / رويترز

يقرأون الآن