إن ما يميّز لغة الإشارة عن الترجمة اللغوية، أنّها تعتمد في الأساس على حركات وإشارات اليدين وتعابير وإيماءات في الوجه، لإيصال الفكرة العامة من الجملة. في حين تعتمد الترجمة اللغوية على إعطاء مرادف لكل كلمةٍ من الجملة. وبناءً عليه، مع إختلاف هذه اللغة، من الضروري العمل على تطويرها وإستحداث معجم خاص بها لتوثيق وتدوين الإشارات المستحدثة للمصطلحات والعبارات والمفردات الجديدة حتى تصبح متاحة للجميع ولاسيّما لمترجمي لغة الإشارة.
المشكلة الأساسيّة في الموضوع، هي أنّ لغة الإشارة ليست معتمدة في مجتمعاتنا وإعلامنا ومدارسنا. والأمر، يتطلّب إنشاء معجم لغوي خاص بها. ونظراً لأهميتها علينا إستعمالها في حياتنا اليوميّة، إلّا أنّها تختلف من بلدٍ لآخر، وحتّى من منطقةٍ إلى أخرى.
لغة الإشارة هي أضعف لغة من حيث المخزون اللغوي
تتميّز لغة الإشارة، كباقي اللغات في العالم، بقواعد وثقافاتٍ لغويةٍ خاصةٍ بها.
وبحسب ما أكده أشرف حمودي، مُترجم لغة الإشارة من التلفزيون الأردني، "تُعتبر اللغة الأضعف، من حيث المخزون اللغوي، مقابل اللغات الأخرى. لذلك، عدد الكلمات بلغة الإشارة لا تتعدّى تقريبًا عشرة في المئة من العبارات والمصطلحات الموجودة في اللغة العربية. ولهذا السّبب مترجمي لغة الإشارة يستعينون بهذا المخزون أو القاعدة اللغوية المحكيّة، لتصل المعلومة من خلال تفسير الفكرة أو تفسير المعلومة للأشخاص ذوي الإعاقة السّمعيّة.
ويقول لـ"وردنا" إنّ سبب ضعف لغة الإشارة، يعود إلى عدم وجود مدارس مهيئة، وعدم وجود برامج تدخّل مبكّر للأطفال الصّم". ويعطي مثالاً عن الفرق بين طفل وُلد أصمّ وآخر، فإن الفرق سيكون شاسعًا. الأول لم يكتسب اللغة من أسرته، أمّا الطفل الثاني سيكتسب اللغة من والديه، وسيكوّن لديه مخزون لغوي يقارب ستة آلاف مصطلح، قبل أن يتجاوز خمس سنوات من عمره. وهذا المخزون يتم الإستناد عليه عند التّعليم في المدارس، من خلال التواصل مع محيطه.
وهذه القاعدة الحواريّة، لا تسير بشّكلها الطبيعي، عندما يكون التلميذ أصمّ، بحسب حمودي. ويشير الى أن المشكلة قد تتضاعف في حال كان الأهل من ذوي الإعاقة السمعية، "على أي قاعدة سيعتمد هذا التلميذ ليكتسبب التّعليم؟"
المعلم غير مهيئ لتعليم التلاميذ ذوي الإعاقة، لاسيّما في الدّول العربيّة، ولا يتقن لغة الإشارة بشكلٍ إحترافيٍ، لأنّ مجتمعنا غير دامجٍ.
وما يحصل في الأردن تحديدًا، هو أنّ وزارة التربية والتعليم، بعد إدراكها بأنّ التلميذ، ضعيف في فهم القراءة والكتابة، تعيّن له مترجمين في قاعة الإمتحانات، لتقديم المساعدة والتسهيلات، والأمر عينه يطبق في الجامعات.
وفي حديثه، أشار حمّودي إلى أنّ "لكلّ دولةٍ لهجتها الخاصّة، تمامًا كاللغة المنطوقة. لذلك، حتمًا ستختلف اللهجة المصرية عن الأردنية عن الخليجيّة. وهنا يمكننا القول إنّ الأشخاص الصّم الذين يعيشون في مصر، لهجتهم مختلفة عن تلك التي في الأردن مثلًا".
الأردن نموذج عن تطوير لغة الإشارة
أعطى حمودي مثالًا عن إشارة "منزل" في الخليج، التي تختلف عن إشارة "الدار" في الأردن، عن إشارة "البيت" في لبنان. لذلك، لا يوجد لغة إشارة عربيّة موحّدة، مثل اللغة العربية الفُصحى الموحّدة في كلّ الدّول العربيّة.
ويوضح أنّ "الأردن أنشأت 3 قواميس إشارية، القاموس الأول متعلّق بالمصطلحات الحقوقية عن طريق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID.
القاموس الثاني يحتوي على العبارات ذات صلة بالمحاكم. أما الثالث فهو مخصص للرّيادة والشّباب والتنمية. وهذه القواميس ترتبط بمجتمع الصّم، لتطوير مستواهم الثقافي والعلمي وإرتقاء التواصل فيما بينهمم وبين المترجمين".
توحيد لغة الإشارة
يقول حمّودي إنّ "مواقع التّواصل الإجتماعي ساهمت في تقريب بعض المرادفات إلى النّاس، والإعلام أيضًا ساهم في تطوير هذه اللغة تمامًا كما يحصل الآن على قناة الجزيرة والتلفزيون الأردني. الكل بإستطاعته فهم هذه اللّغة. لكنّ المعلومة، ستصل للشخص تقريبًا بنسبة 80 أو 90 في المئة. وكصحافيين ومترجمين وصانعي محتوى، علينا الإعتماد على مُترجم مُحترف، وعلى المستوي العالي جدًا، لكي تصل الرّسالة لأكثر من أصمّ في أكثر من دولةٍ عربيّةٍ. لكنّ الخطوة الأساس تكمن في توحيد لغة الإشارة".
معاناة المُترجم
ويفيدنا حمّودي بتجربةٍ حصلت معه، عندما زار فرنسا للقاء المنتخب الفرنسي، فلغة الإشارة الفرنسيّة تختلف بشكلٍ كبيرٍ عن اللغات العربيّة الأخرى، "حاولنا التواصل معهم بالإيماءات والحركات علّنا نوصّل القليل القليل من المعلومة. وطبعًا يمكننا الإستعانة برموز إشارية متداولة على متسوى العالم. وهذه الرموز متعارف عليها كرموز وليس كلغة لأنّها غير مُعتمدة في الإتحاد الدّولي للصم كلغة إشارية معتمدة، إنّما رموز إبتكرها الأشخاص الصّم بأنفسهم علّهم يبسّطون على أنفسهم الحوار فيما بينهم."
مشروع إعتماد لغة الإشارة في لبنان
في لبنان، تم تقديم مشروع تنمية وتعزيز لغة الإشارة ليصبح هناك مرجعًا متاحًا لمتعلّمي اللّغة، ولكن المشكلة التي واجهته هي ضعف الثقة بقدرة الأشخاص الصّم على إدارة هذا المشروع المتعلّق بهم، على الرّغم من أنّ قاعدة المشروع هي لغة الإشارة، بالإضافة الى ذلك أنّ من إعترض لا يتقنها.
لذلك، يعتبر مشروع تطوير لغة الإشارة عبر توثيقها في مختلف النّواحي، في تنوّع مجموعات المفردات والمصطلحات والمفاهيم النابعة منها، يتطلّب الكثير من البحث والوقت، ليبقى المشروع وفيًّا للغة الإشارة المنبثقة من الأشخاص الصّم أنفسهم.
التعليم والترجمة
د. حسين إسماعيل، وهو أصمّ، حائز على الدكتوراه في الإدارة التربويّة - ومؤسّس ومدير مركز التعلّم للصّم ورئيس الاتّحاد اللّبناني للصّم وممثّل لبنان في الإتّحاد العالمي للصّم، يفيد "وردنا" بأنّه "يعمل على وضع منهاج تدريبٍ لمترجمي لغة الإشارة"، بسبب الحاجة الماسّة لتواجد هذه اللّغة، من خلال تقديم المنهاج إلى المديريّة العامّة للتعليم المهني والتقني للموافقة عليه وإعتماده". ويقول إنّه "ينوي العمل مع شركاء معنيّين على تنظيم المهنة، بحيث يتأمّن حقّ الأشخاص الصّم في الوصول إلى المعلومة، وبالتّواصل الغني والفعّال".
وبسبب الحاجة وإنعدام توفر الإمكانات، يؤكّد د.إسماعيل بأنّ "العمل حديثًا على مشروعٍ مؤقتٍ لتأمين مفردات، مرتبطة بالسياسة والمطالب الحقوقيّة ومواضيع مماثلة تلبيةً لما يحتاجه المترجمون. وهذا الإجراء كان جارٍ بين الإتحاد اللّبناني للصمّ ومركز العلم للصّم لمساعدة المترجمين. وقد تقرّر توثيق هذه المفردات في مرجعٍ واحدٍ حاليًّا".
وبحسب د. إسماعيل، فإن أكثر ما يعيق إستخدام ترجمة لغة الإشارة، هي:
بداية عدم تواجد مترجمين (المترجمون الحاليّون عمليًا، هم أولاد لأهلٍ صم تعلّموا منهم طبيعيًّا لغة الإشارة) وهم قلائل جدًّا.
"الإنتظار الخاطئ لتوحيد لغة الإشارة"، على الرّغم من أنّ الأشخاص الصّم هم من خلفيّاتٍ متعدّدة يتواصلون معًا بلغة الإشارة مع بعض الفروقات.
ومن العوائق أيضاً، محدوديّة لغة الإشارة المرتبطة بالمستوى الثقافي (في شتّى المجالات وليس فقط الأكاديميّة) وليس العكس. فيود السامعون أن يؤمنوا مفردات تتناسب مع اللغة المحكيّة.
وعلى حدّ تعبير د. إسماعيل، من المهم أن "ندرك أنّ اللغات الإشارية ليست مجرد تمثيل بصري للّغات المنطوقة، إنّما لديها قواعدها الخاصة وتركيباتها النحوية والمفرداتيّة. وتتطور إشارات جديدة بطريقةٍ عضويةٍ داخل مجتمع الصّم فيتم رصدها، بدلاً من أن تُفرض لإتاحتها سريعًا".
أما فكرة التوحيد، فهي قضية مثيرة للجدل، على حدّ تعبيره. "فلغات الإشارة، مثل اللغات النطقية، يمكن أن تتضمن تباينات مناطقيّة وثقافية مختلفة والتي يجب الإعتراف بها وإحترامها. ولذا، فالمطلوب ليس التوحيد، بل توثيق اللغة لإتاحتها للجميع، وتعزيزها، والتعريف عنها، والإعتراف بها كلغة الصّم اللبنانيين.
ولكن على الرغم من أنه قد لا يكون مناسبًا محاولة توحيد لغة الإشارة، إلا أنّه من المهم أن يتم التعارف على اللغة بشكلٍ مقبولٍ يمكنه أن يسهل التواصل بين مستخدمي لغة الإشارة المختلفين".
وأوضح أنّه في حال "تمّ التعجيل في تطوير إشارات جديدة من دون النظر إذا كانت هناك إشارات لمعانٍ مماثلة موجودة بالفعل، أو من دون إتاحة الفرصة للتطور الطبيعي للغة، فقد يؤدي ذلك إلى الإرتباك أو حتى الإقصاء لأفراد من مجتمع الصم".
إعلام غير دامج
المادة 5 من إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة UNCRPD وخاصة الفقرة الثالثة، تنصّ على حقّ الأشخاص ذوي الإعاقة بإعلامٍ دامجٍ وحقهم في الوصول إلى والحصول على المعلومات والإستمتاع بما يقدم من برامج وأفلام وغير ذلك من مواد إعلامية لسائر الجمهور من خلال توفير التّرتيبات التيسيرية المعقولة كإستخدام لغة الإشارة وتبسيط اللغة والكتابة النصية للمحتوى المسموع وتوصيف المشاهد المعروضة.
ومن المعلوم، أنّ لبنان قد أتّم عملية المصادقة على إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي سيجري بموجبها تعديل كافة القوانين المحلية للتلائم مع مبادئها ونصوصها ومضامينها. وبناءً عليه، يتوجب على وسائل الإعلام اللبنانية أن توفر مواد إعلامية دامجة للأشخاص ذوي الإعاقة بما فيهم الأشخاص الصم والأشخاص الذين لديهم ضعف في السمع لتمكينهم من ممارسة حقهم، من خلال توفير مترجمين للغة الإشارة أقله في نشرات الأخبار والملاحق الإخبارية والمؤتمرات الصحفية، إضافةً الى توفير كتابة نصية مطابقة 100% مع المحتوى المسموع أو التسجيل الصوتي أو الدبلجة.
وفي حديثها لـ "وردنا"، تشير الدكتور عتاب شعيب، إختصاصيّة في مجال التصميم الجامع inclusive design وأكاديمية وباحثة في مجال الإعاقة والدمج في مركز الدراسات اللبنانية، إلى أنّه "من الضروري إعتماد لغة إشارة محلية خاصة بالبلد، وتوفير مراكز تدريب لغة الإشارة مرخصة من قبل الدولة اللبنانية، وتوفير مدربين من الأشخاص الصمّ ومترجمين لغة الإشارة ذوي كفاءة عالية ولديهم خبرة في التواصل مع الأشخاص الصّم، لتدريب الراغبين من الأشخاص الصم أو الأشخاص الذين لديهم ضعف في السمع أو أسرهم أو الراغبين في أن يصبحوا مترجمي لغة الإشارة".
وأضافت:" يجب على المدارس والمعاهد والجامعات أن تخصص مناهج تعليمية دامجة ومكيفة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية والأشخاص الصم لتمكينهم من إكتساب معلومات وأفكار ومفاهيم في مجالاتٍ علميةٍ وثقافية متنوعة تمكنهم فيما بعد، من تطوير لغة الإشارة لتواكب التطور الثقافي والعلمي القائم".
المراجع:
- إتّفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المادّة 3 و4:" تتشاور الدول الأطراف تشاورًا وثيقًا مع الأشخاص ذوي الإعاقة بمن فيهم الأطفال ذوو الإعاقة، من خلال المنظمات التي تمثلهم، بشأن وضع وتنفيذ التشريعات والسياسات الرامية إلى تنفيذ هذه الإتفاقية، وفي عمليات صنع القرار الأخرى بشأن المسائل التي تتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، وإشراكهم فعليًا في ذلك".
- ورقة توحيد لغة الإشارة
- ورقة إعطاء الأولويّة للأشخاص الصم في دورهم في النشاطات المتعلّقة بلغة الإشارة، وفي تعليم لغة الإشارة.
- الأمم المتحدة
- المنظمة الدولية للصمّ