دخل الفن من أوسع أبوابه، عرفه العالم بالمُؤلف، المُوسيقيّ، المسرحِيّ والشاعر. موهبته النادرة جعلته في مقدمة الصفوف الأولى عربياً وعالمياً، وأعماله المتنوعة ميزته عن سواه، إنه المبدع اللبناني عاصي حنا الرحباني.
يتزامن اليوم الخميس 4 أيار/مايو، الذكرى المئوية لميلاده. صنع عاصي خلال 63 عاماً هويته الموسيقية الخاصة، فأصبح مرجع فني قدير.
نبذة عن طفولته:
إنطلق إبن بلدة إنطلياس في مسيرته، عندما دفعه شغفه وموهبته لمتابعة دروس الموسيقى خلسة من النافذة، بسبب عدم إمكانيته على الإنضمام لجوقة الكنيسة التي كان قد أسسها الأب بولس الأشقر الانطوني.
إكتشف الأب الأنطوني موهبته عندما أَجابه على سؤال كان قد وجَّهه للطلبة ولم يستطع أحد الإِجابة عليه، فتدخل عاصِي من بعيد: "أَنا بعرف". باشر الأب الأنطوني بتعليمه منذ تلك اللَّحظة، حيث تعلم مبادئ النظريات الموسيقية والألحان الشرقية والكنسية مدة ست سنوات، ثم تابع تعلم تأليف الموسيقى الغربية وعلومها على يد الأستاذ بِرتران روبيار.
رافق عاصي آلة الكمان ومن ثم البيانو، تلاههما البزق الذي ألبسه عاصي أثواباً جديدة وكرّمه بعزف ألحانٍ رئيسيةٍ لمرّاتٍ عديدة، فكانت أوتاره ترافق صوت فيروز.
شكل مع شفيفه منصور ثنائية، قلّ نظيرها في العالم، وعرفا الأخوين الرحباني، إذ كانا يتشاركان في كتابة الغاني والمسرحيات والتأليف الموسيقي.
نشأ الأخوين الرحباني في جو عائلي مفعم بالموسيقى، وترافقا طيلة حياتهم مشاركة الأعمال الفنية، فكان العمل يُنسب إليهما معاً، إلا أن هيمنة عاصي على التفاصيل والإخراج النهائي للعمل، رتبت له مكانة أكبر ودوراً أهم في بناء الصرح الرحباني الفيروزي الضخم.
إلتقى عاصي بفيروز لأول مرّة في كواليس الإذاعة اللبنانية عام 1950، حيث كان اللقاء فنّي بدأ بأولى الأعمال التي اشتهرت، "حبّذا يا غروب" و"بلمح ظلال الحب بعيونو" و "ردّ يا أسمر لمحاتك"، وغيرها من الأغنيات العاطفية.
توطدت العلاقة بين فيروز وعاصي مع مرور الوقت، وجمعهما الحب والفن، حيث أعلنا زواجهما عام 1955، وأنجبا 4 أولاد، زياد و هالي و ليال وريما. وقرر الثنائي بعدها تأسيس المؤسسة الرحبانية الفيروزية لإنتاج الأفلام السينمائية، لتكون شاهدة على نجاحاتهم.
كانت قصة حب فيروز وعاصي الرحباني، من القصص التى تضمنت الكثير من المصاعب والشوق والحب، وتعدّ أغنية “سألوني الناس عنك يا حبيبي” من الأغانى التى أعلنت فيها حبها لعاصى، وغنتها فيروز عام 1973 بعد إصابة عاصي بنزيف دماغي، ولحن لها الأغنية ابنها زياد الرحباني، وكانت تلك الأغنية تجسيد لغياب عاصي الأول عنها. وعلى الرغم من طلاقهما عام 1978، بقي عاصي يلحن لها الأغنيات.
أعماله:
شارك الأخوين الرحباني وفيروز عام 1956 في مهرجانات بعلبك بنسختها الثانية، جاءت مشاركتهم في إنطلاق الليالي اللبنانية في المهرجان، تحت عنوان الفن الشعبي اللبناني. "أيام الحصاد، عادات وتقاليد"، استعرضت أولى الأعمال مشاهد القطاف والخطبة والعرس، وعندئذٍ تكرّس عُرفٌ وتاريخٌ جديد مع : لبنان يا أخضر حلو.
أنتج الرحبانة العديد من الأعمال المسرحية، ن بطولة نخبة من الممثلين والفانين الذين طبعوا الفن اللبناني باسمهم أمثال نصري شمس الدّين، جوزيف ناصيف، جوزيف عازار، إيلي شويري، خليل تابت، وليام حسواني، غيتا داية وغيرهما..
الى جانب عشرات العمال المسرحية، كان للأخوين الرحباني أفلام سينمائية: بياع الخواتم (1965) / سفر بالك (1967) / بنت الحارس (1968) / عودة حميدو (1971)..
مرضه ورحيله:
أصيب عاصي في 26 أيلول 1972، بشكل مفاجئٍ بنزيفٍ حادّ في الجهة اليسرى من دماغه، أبلغ الأطباء فيروز بخطورة وضعه الصحّي وضرورة إجراء جراحة دماغية عاجلة لإنقاذ حياته من الموت، مع الأخذ بعين الاعتبار سوداويّة الاحتمالات التي ربما تنتج عن الجراحة والتي هي : إصابته بالعمى، الشلل، تلف الدماغ .. أو جميعها معًا!
وفي حادثةٍ أشبه بالمعجزة، وبعد مرور أقلّ من ثلاثة أشهر على أزمته الصحيّة الخطيرة، وبحضور فيروز ومنصور وبعض الأصدقاء، أمسك عاصي بالبزق وانساب منه لحنه الجديد لفيروز "ليالي الشمال الحزينة"، وبدا اللحن حزينًا ونشائديًا، وكان هذا أول لحنٍ يلحّنه عاصي بعد أزمته الصحيّة لمسرحيّة المحطّة التي كان قد كتبها وأنهى جزءً كبيرًا من تلحينها قبل إصابته بالنزيف.
في أوائل الثمانينيّات، أُدخِل عاصي إلى المستشفى مرّاتٍ عديدة كانت آخرها في العام 1986، حيث دخل في حالة غيبوبة دامت ستّة أشهر.
وفي يوم عيد الموسيقى في 21 حزيران 1986 وفي أول أيام الصيف، وفي عيد الأب، رحل عاصي ورقد في مثواه الأخير في لبنان