لا يكاد يمر عام إلا ويندب اليمني عبد الله عزيز حاله على ما تشهده مدينته عدن في جنوب البلاد من تدهور للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أنهكت السكان.
يقول عزيز (75 عاما)، الذي كان وزيرا في جمهورية اليمن الجنوبي قبل الوحدة اليمنية عام 1990، "عدن تعيش أسوأ أيامها، وسط سلبية من مجلس القيادة الرئاسي والحكومة... الوزراء يغطون في نوم عميق في مقار إقامتهم بقصر معاشيق، بينما يموت سكان عدن ببطء من شدة الحر".
وحذر من أن استمرار الوضع المتردي في عدن دون معالجة على أرض الواقع قد يقود إلى توترات اجتماعية لا يستطيع أحد التنبؤ بعواقبها.
ويحمل سكان في عدن الحكومة المعترف بها دوليا مسؤولية غياب الخدمات الأساسية.
تقول مؤسسة الكهرباء إن تزايد الانقطاعات في عدن التي تضم ميناء رئيسيا يعود إلى خفض قدرة التوليد بمحطات الطاقة بسبب قلة الوقود وانتهاء منحة سعودية للمشتقات النفطية بداية الشهر الجاري.
وقال سالم الوليدي مدير مؤسسة كهرباء عدن إن المؤسسة "طالبت الجهات العليا بالدولة منذ اللحظة الأولى لانتهاء منحة الوقود السعودية بضرورة تأمين الوقود الكافي لمحطات الكهرباء لا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة".
وأكد الوليدي أن قطاع الكهرباء يواجه تحديات كبيرة ومتراكمة منذ سنوات، مشيرا إلى أن إجمالي الطاقة التي تحتاجها عدن يتجاوز 610 ميجاوات بينما تنتج المحطات أقل من 310 ميغاوات فقط يوميا، تعادل تقريبا نصف الاحتياجات.
واعتبر الوليدي أن الصراع السياسي بين الشركاء في السلطة الآن، في إشارة إلى الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، أثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية والخدمات في عدن خاصة الكهرباء.
وأعلنت السعودية أواخر أيلول/ سبتمبر عن منحة مشتقات نفطية جديدة قيمتها 200 مليون دولار لدعم قطاع الكهرباء المتعثر في اليمن وتوفير الوقود لتشغيل نحو 70 محطة للطاقة الكهربائية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة في جنوب البلاد وشرقها.
ودعت الحكومة اليمنية في اجتماعها الأخير يوم الأربعاء الماضي القيادة السعودية إلى تعجيل حزمة الدعم التي أعلنت عنها سابقا لتلبية الالتزامات. ومن أجل استمرار المنح النفطية، تشترط السلطات السعودية على الحكومة اليمنية القيام بإصلاحات هيكلية وتمويلية في قطاع الطاقة من بينها تحصيل رسوم الخدمة من المشتركين.
* "طفح الكيل"
قال مسؤول كبير في المجلس الانتقالي الجنوبي لرويترز طالبا عدم ذكر اسمه إن تأخير إمداد محطات التوليد بالوقود هدفه معاقبة المحافظات الجنوبية على المطالبة بتقرير المصير.
وترفرف أعلام دولة اليمن الجنوبي السابقة التي توحدت مع اليمن الشمالي عام 1990 في شوارع عدن، حيث تنتشر أيضا النفايات وتتفاقم أزمة الصرف الصحي.
وفاقمت درجات الحرارة المرتفعة حالة الغضب التي تسود مدينة عدن إزاء استمرار فشل الحكومة في تقديم الخدمات وتوفير الأمن وتحقيق الاستقرار لسكان المدينة الساحلية وعدة مدن مجاورة.
ووصف الكاتب والفنان عصام خليدي ما يتعرض له سكان عدن بأنه "جرعات تعذيبية قاتلة مع سبق الإصرار والترصد".
وتابع خليدي "للأسف يحدث كل هذا أمام مرأى ومسمع رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة وأعضائها المقيمين في قصرهم الفاخر".
وقال محذرا "لن يستمر السكوت على هذه العقوبات الجماعية، فقد نفد صبر المواطن ونفدت قدرته على التحمل والصبر".
وعلق مواطن يدعى هاشم محمد ناجي (51 عاما) وهو موظف حكومي "يظهر الموقف الحالي فشل الدولة والحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي... الناس يموتون والسبب الكهرباء... لقد طفح الكيل".
فيما عبرت الطالبة رندا ياسين بالصف الثالث الثانوي عن غضبها من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي "بدأنا الامتحانات الوزارية منذ أيام... ونعتمد على الشموع والمصابيح التي تعمل بالبطاريات".
* "أين الكهرباء يا وزير"
تحت هذا العنوان نشر وزير الكهرباء والطاقة في الحكومة اليمنية مانع يسلم بن يمين منشورا على صفحته بموقع فايسبوك، وكتب "أين هي الكهرباء يا وزير... وصلت مؤخرا لدرجة عدم قدرتي على التعريف بنفسي ليس ضعفا أو عدم ثقة بل حياء... استلمت وزارة الكهرباء وأكاد أجزم أني أعرف نقاط قوتها ونقاط القصور فيها، واستلمتها وأعرف أني سأكون في الواجهة وبشكل مباشر مع شعب ذاق كل العذاب الخدمي".
وتابع "يجب أن يعرف كل مواطن في هذا البلد أن موارد الدولة لا تكفي لتشغيل الكهرباء بشكل يومي بوضعها الحالي وبما يغطي الاحتياج الكلي للكهرباء وهذا بسبب كلفة الإنتاج العالية وسببها الجوهري هو العمل العشوائي دون الرجوع لأصحاب الاختصاص في حينه".
وتقول الحكومة اليمنية إنها تنفق ما يعادل 1.200 مليار دولار سنويا بواقع 100 مليون دولار شهريا من أجل توفير الوقود واستئجار محطات توليد الكهرباء لكن الإيرادات لا تصل إلى 50 مليون دولار سنويا.
وتسببت الحرب المتشعبة التي دخلت عامها التاسع في اليمن في ما تقول الأمم المتحدة إنها أكبر أزمة إنسانية في العالم.
رويترز