على غرار العديد من السوريين في تركيا، يتطلع غيث سمير بقلق لنتيجة جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية يوم الأحد المقبل، ويشعر بالخوف إزاء احتمال فوز مرشح المعارضة الذي يتعهد بترحيل المهاجرين إلى أوطانهم في أسرع وقت.
وفر سمير من الحرب الأهلية في سوريا عام 2012، وهو الآن واحد من بين أكثر من 3.4 مليون سوري يعيشون في تركيا، حيث أدت المشكلات الاقتصادية إلى زيادة مشاعر العداء للمهاجرين التي امتد أثرها إلى الانتخابات الرئاسية.
وقال سمير، الذي حصل على الجنسية التركية قبل عامين ويعتزم التصويت في انتخابات يوم الأحد لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان، "وعود المعارضة تخيفني وتغضبني أيضا، تخيفني لأنها تسبب المزيد من كراهية المواطنين الأتراك تجاهي وتجاه أطفالي وعائلتي".
وبينما يتمتع أردوغان بفرصة جيدة للفوز في جولة الإعادة بعد إخفاقه في تحقيق فوز مباشر في الجولة الأولى قبل أسبوعين، يتبنى منافسه كمال كليجدار أوغلو خطابا مناهضا للمهاجرين في محاولة لتغيير مسار السباق الانتخابي.
وتعاون أوغلو مع حزب قومي من اليمين المتطرف ووعد بإعادة جميع المهاجرين إلى أوطانهم في غضون عام مع انتشار ملصقات تحمل صوره في أنحاء المدن التركية مع تعهد بترحيل السوريين.
وعلى الرغم من أن أردوغان كان أكثر ترحيبا بالسوريين والمهاجرين الآخرين في تركيا، التي تضم خمسة ملايين لاجئ وهو أكبر عدد من اللاجئين حول العالم، فإنه اتخذ أيضا خطوات لتسريع عودة المهاجرين السوريين إلى وطنهم.
وبالنسبة للسوريين، فقد أدت الانتخابات والتحول المناهض للمهاجرين في السياسة التركية إلى إثارة حالة جديدة من الضبابية بشأن مستقبلهم، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان سيتعين عليهم معاودة الكرة وبدء حياة جديدة مرة أخرى بعد فرارهم من حرب دامية في وطنهم.
وقال سمير (38 عاما) إن عددا من أصدقائه وأقاربه أجّلوا خططهم المستقبلية لما بعد الانتخابات حتى تتضح الأمور لدرجة أن أخاه ينتظر نتيجة الانتخابات ليقرر ما إذا كان سيستبدل "جهاز محضر الطعام" التالف.
وأضاف: "أغلب السوريون باتوا يشعرون وكأن حياتهم كلها متوقفة على نتائج الانتخابات". وعلى الرغم من أنه يحمل الجنسية التركية، قال سمير إنه وضع "خططا بديلة في حال حدوث أي شيء".
ويفكر سمير في الانتقال مع زوجته وطفليه الصغيرين إلى بلد قد يكون مواتيا أكثر لأحوال السوريين، مثل مصر أو إقليم كردستان في العراق.
* حزب من اليمين المتطرف
عندما أعلن كليجدار أوغلو يوم الأربعاء عن توصله لاتفاق مع أوميت أوزداج، رئيس حزب الظفر المنتمي لليمين المتطرف، لدعمه في جولة الإعادة، قال أوزداج إن الوعد الذي قطعته المعارضة على نفسها بترحيل المهاجرين سوف يرفع "العبء" عن الاقتصاد ويمنع تركيا من أن تتحول إلى "أرض للمهاجرين".
ومن خلال الاعتماد على الخطاب المعادي للأجانب الذي يتهم اللاجئين الأفغان والسوريين بالسرقة والتحرش الجنسي وجرائم أخرى، قال أوزداج إن ترحيل المهاجرين سيجعل "الشوارع آمنة مرة أخرى".
ويشعر السوريون على وجه خاص بالقلق بسبب هذه النبرة وملصقات أوغلو الجديدة المناهضة للمهاجرين التي تتدلى من أعمدة الإنارة وعلى الأنفاق.
وتساءل أحمد، وهو سوري يبلغ من العمر 40 عاما ويحمل الجنسية التركية أيضا، عن قلقه من تأثير هذه اللافتات على الأطفال السوريين الذين يستطيعون قراءة التركية، ووصفها بأنها "أقذر كلام وأبشع خطاب كراهية".
* عدم الارتياح للعودة
توقفت معظم المعارك الرئيسية في سوريا منذ سنوات، حيث تسيطر تركيا على جيوب عبر الحدود تدعم فيها المعارضة السورية في صراعها مع الرئيس بشار الأسد. وتكتظ هذه المناطق بالفعل بالسوريين النازحين من أجزاء أخرى من سوريا.
وظروف الحياة عبر الحدود صعبة للغاية، مع تدمير البنية التحتية وانهيار الاقتصاد والتهديد المستمر بإمكانية اندلاع الحرب فجأة مرة أخرى. ويخشى سكان هذه المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من تعرضهم لأعمال انتقامية إذا استعادت الحكومة السيطرة عليها.
ونظرا لأن مصيرهم تحول إلى قضية سياسية ذات أهمية متزايدة، لا يزال معظم السوريين يشعرون بعدم الارتياح حتى لو تغلب أردوغان على أوغلو يوم الأحد، مشيرين إلى خطط حكومة أردوغان لبناء مشاريع إسكان جديدة على الحدود لتسريع عملية ترحيلهم.
وعلى غرار القادة الآخرين في المنطقة، يعمل أردوغان أيضا على حل الخلافات مع الأسد، مما يزيد من احتمال حدوث تقارب قد يقلق العديد من السوريين في تركيا.
وقال عمر كادكوي، وهو سوري يعمل في مركز الأبحاث الاقتصادية "تي.إي.بي.إيه.في" ومقره أنقرة، إن السوريين ما زالوا يواجهون البؤس والخوف من وطنهم الذي سينظر إليه أطفالهم على أنه أرض أجنبية.
وقال عن العودة الطوعية لسوريا "إنه ليس قرارا سهلا"، مضيفا أن الأطفال السوريين في تركيا "تم تشكيلهم بكل ما هو تركي. سوريا بالنسبة لهم قصة تُحكى قبل النوم".
رويترز