منذ يومين، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، لبحث موضوع عقد الاتفاق بالتراضي مع محامين فرنسيين، ووجه الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، كتابًا إلى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري دعاه فيه، بناء على طلب ميقاتي، إلى حضور جلسة عاجلة وطارئة للحكومة، على جدول أعمالها بند وحيد يتعلق بالاتفاق بالتراضي مع محامين فرنسيين.
لكن، بدل أن يسارع المسؤولون الى التحاور والنقاش في المؤسسات الدستورية، تسابقوا في تراشق التهم إما عبر مؤتمرات صحافية أو بيانات. وبالأمس، عقد وزير العدل، مؤتمرا صحافيا بعد أن أبلغ رئاسة الحكومة أنه لن يحضر الجلسة، مؤكداً "أننا وقعنا العقود وهي لا تزال سارية المفعول، وأنا متمسك بها ولن أتراجع عنها".
ليردّ المكتب الإعلامي لميقاتي في بيان، أنه " إزاء إعلان وزير العدل عدم حضوره الجلسة، أرجئت الى وقت لاحق"، معتبرا أن "موقف الوزير بتعطيل سير العمل ضمن المؤسسات الدستورية من شأنه أن يحمّله شخصياً المسؤولية الدستورية والقانونية والأخلاقية عن أي ضرر قد يطال مصلحة الدولة العليا".
وردّ خوري على الرد، مؤكدا تمسكه بموقفه، وهو لم ولن يقبل بعدم تمثيل الدولة اللبنانية في المحاكمات خارج لبنان، وليتحمل من يخطط لالغائها عواقب فعلته.
إن أصدر القضاء الفرنسي قرارا بحجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تتم مصادرتها لصالح خزينة الدولة الفرنسية
وفي ظل حرب البيانات حيث أصبحت سمعة لبنان على المحك بعد تشويه وتهشيم صورته، وتفتيت مؤسساته، أشار مصدر مقرب من الرئيس ميقاتي لموقع " وردنا" الى أنه ستتم الدعوة الى جلسة وزارية أخرى قريبا، لأن هيبة الدولة على المحك، وإذا لم يحضرها وزير العدل، سيتحمل كل طرف مسؤوليته، لكن من الأفضل والأسلم، حضور الوزير المعني بالملف لاتخاذ القرار، وهذا ما يصر عليه رئيس الحكومة. وفي حال، وصلت الأمور الى مكان آخر، فيعود للرئيس ميقاتي أن يتخذ القرار المناسب، أي ما إن كانت الحكومة ستتخذ قرارها بشأن تسمية المحامين أم تترك لبنان بدون محامين يدافعون عن مصالحه العليا أمام القضاء الفرنسي مع ما يرافق ذلك من تداعيات سلبية على صورته.
أما سياسيا، فمن الواضح أن الأمور تأخذ منحى شد الحبال بشكل دائم ومستمر، وحول مختلف القضايا، وليس خافيا على أحد أن التجاذبات السياسية، والكيديات، والاصطفافات، تلغي اللعبة الديموقراطية من قاموس السياسيين الذين يجب أن "يلجأوا دائما الى المؤسسات للنقاش ومعالجة القضايا العالقة، وليس عبر المؤتمرات الصحافية، والبيانات والبيانات المضادة التي لن تؤدي الى أي نتيجة في وقت تعمل الدول القريبة والبعيدة لمصلحة بلدانها رأفة بشعوبها" كما يقول المصدر.
وبما أن أساس الصراع حول الأولويات والصلاحيات، لا بد من كلمة فصل للقانون في هذا الإطار إذ اعتبر مصدر قانوني أن مسألة تعيين المحامين للدفاع عن المصالح العليا للدولة، أمر ضروري وضروري جدا، بحيث إن أصدر القضاء الفرنسي قرارا بحجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفي حال ثبت أن هذه الأملاك والأموال مخالفة للقانون، تتم مصادرتها لصالح خزينة الدولة الفرنسية، وهذه الأموال عائدة للبنان، نتيجة حتمية ممارسة حاكم مصرف لبنان لوظيفته كحاكم مصرف لبنان، وبالتالي، اذا تمّت مصادرة الأملاك، يجب أن تكون لصالح الدولة اللبنانية.
لا يمكن لوزير العدل أو أي هيئة قانونية أخرى أن تقرر تعيين مثل هؤلاء المحامين دون العودة الى مجلس الوزراء
وتتم عملية اختيار المحامين وفق آلية، حيث يرفع وزير العدل اقتراحه الى الحكومة الذي يمكن أن يتم الأخذ به أو رفضه بعد التداول والنقاش بين الوزراء. ولا يمكن لوزير العدل أو أي هيئة قانونية أخرى أن تقرر تعيين مثل هؤلاء المحامين دون العودة الى مجلس الوزراء الذي يملك وحده صلاحية البتّ بهذه المسألة.
وفي حين يتساءل كثيرون عن الأسباب التي جعلت وزير العدل يعيّن المحامين دون عرض الملف على مجلس الوزراء طالما أن الآلية واضحة، وطالما أن القضية لا يجب أن تشكل مصدر خلاف جديد بين اللبنانيين خصوصا أنها تتعلق بمصالح الدولة العليا، فإن من صلاحية مجلس الوزراء، في حال رفض وزير العدل حضور الجلسة الحكومية المخصصة لهذه القضية، أن يقرر بالتصويت بعد أن يطلب كتابا من وزير العدل بالأسماء المقترحة، ويتم النقاش حول السيرة الذاتية لكل محامي وحول كفاءته وخبرته وخلفياته، لأن هذه المسألة ضرورية وملحة، وتتعلق بمصلحة لبنان العليا. واذا لم يحصل فريق المحامين على مرسوم حكومي رسمي، لا يمكنه المثول أمام المحكمة الفرنسية، وسيقدم الفريق الآخر، طعنا بعمله، وتصبح المشكلة أمام القضاء الفرنسي، وتشوّه صورة القضاء اللبناني أكثر وأكثر. ما يحتم على الجميع "سد الثغرات القانونية وليس فتح ثغرات إضافية".