بزيارتين لمسؤولين رفيعي المستوى في أقل من شهر، تأمل الولايات المتحدة في إعادة الاستقرار لعلاقاتها مع السعودية بعد بضع سنوات من الخلافات وانعدام الثقة.
وبعد زيارة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للسعودية في السابع من أيار/ مايو الماضي، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيتوجه إلى المملكة الأسبوع المقبل، في ثاني زيارة يقوم بها مسؤول كبير في حوالي شهر.
ورغم التوقعات بعدم حدوث انفراجة، قال محللون إن بلينكن يهدف من هذه الرحلة إلى استعادة بعض التأثير مع الرياض فيما يتعلق بأسعار النفط ومواجهة النفوذ الصيني والروسي.
وقالت وزارة الخارجية في بيان مقتضب إن الزيارة ستمتد من الثلاثاء حتى الخميس وستناقش التعاون الاقتصادي والأمني فضلا عن عقد اجتماع لمجلس التعاون الأميركي الخليجي ومؤتمر لمواجهة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.
وسوف يتصدى بلينكن لمعالجة علاقات تضررت بشدة بسبب خلافات حول إيران وغيرها، واعتراها الضعف مع تلاشي صيغة النفط مقابل الأمن التي حافظت على التحالف بين الدولتين لعقود.
وكانت بداية الرئيس جو بايدن مع الرياض متوترة بعد أن قال في 2019 إنه سيجعلها "منبوذة"، وبعد فترة وجيزة من توليه منصبه في عام 2021.
ورغم زيارة بايدن للسعودية في تموز/ يوليو 2022 بهدف تحسين العلاقات، أغضبت الرياض واشنطن بعد ثلاثة أشهر فقط عندما خفض تحالف أوبك+ الذي يضم روسيا إنتاج النفط قبل انتخابات التجديد النصفي الأميركية التي كانت أسعار الوقود تمثل إحدى قضاياها.
ويعود التوتر في العلاقات لما قبل إدارة الرئيس بايدن.
وكان القادة السعوديون قد عبروا عن عدم رضاهم عن مفاوضات الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي الإيراني في 2015 والذي تعتقد دول الخليج أنه جعلهم عرضة لاحتمال حصول طهران في نهاية المطاف على أسلحة نووية. وتنفي إيران مثل هذا الطموح.
ورغم تخلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الاتفاق في 2018، عبرت الرياض عن غضبها بسبب عدم الرد على إيران بعد هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ استهدف منشآت النفط في بقيق وخريص السعوديتين عام 2019.
وألقت واشنطن والرياض بالمسؤولية في الهجمات على طهران التي نفت ضلوعها في ذلك.
وقال ديفيد دي روش من جامعة الدفاع الوطني الأميركية "أرادوا (السعوديون) أن يروا الركام في طهران بعد (هجمات) بقيق"، مضيفا أن الرياض توقعت أن يرد ترامب بإصدار أوامر بضربات جوية.
نهاية النفط مقابل الأمن؟
هناك تحولان طويلا الأمد يفاقمان التحديات التي تواجه بلينكن.
أولا، تهاوى الركيزة القائمة منذ فترة طويلة للعلاقات الأميركية السعودية المتمثلة في توفير الولايات المتحدة للأمن مقابل إمدادات ثابتة من النفط السعودي.
والولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم الآن ولم تعد تعتمد على الخام السعودي كما كانت في السبعينيات.
وقال تشاس فريمان، سفير الولايات المتحدة السابق في السعودية "طرفا المعادلة وهما إمكانية الدخول التفضيلية للحصول على الطاقة السعودية والدفاع الأميركي عن المملكة العربية السعودية ضد التحديات الخارجية، تلاشيا فيما يبدو".
وثانيا، أدى صعود الصين التي أصبحت الآن أكبر مشتر للنفط السعودي وأكبر مورد للسعودية، بالإضافة إلى ما يعرف باسم "التركيز" الأميركي على آسيا، إلى تحوط الرياض في رهاناتها الجيوسياسية.
وقال البروفيسور غريغوري غوز من جامعة تكساس إيه آند إم "في الحرب الباردة، كان بوسع الولايات المتحدة الاعتماد إلى حد كبير على السعوديين لدعم مبادراتها الاستراتيجية الكبيرة. ومع انتهاء الحرب الباردة، لم يعد لدى السعوديين خيارات كثيرة".
وأضاف "الآن لديهم خيارات... فترة القطب الأوحد الأميركي ولت أساسا والسعوديون يفهمون ذلك ويتطلعون لخيارات أخرى".
وفي علامة على تحول الولاءات، قالت السعودية وإيران في آذار/ مارس إنهما تعتزمان استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد محادثات سرية في بكين.
قال دانييل بينيم، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي، للصحفيين إن أحد أهداف رحلة بلينكن يتمثل في التأكيد على أن "الولايات المتحدة لاعب قوي سيظل موجودا في المنطقة... وأننا لن نترك فراغا يملؤه منافسون آخرون".
مهما يكن من أمر التوترات، فلن تحدث قطيعة حقيقية على الأرجح في العلاقات لأن الرياض تحتاج إلى الجيش الأميركي لضمان تدفق النفط من الخليج وهو دور لا تبدي الصين، ولا روسيا التي وسعت نفوذها في المنطقة، استعداد للاضطلاع به. وتريد واشنطن أيضا أن تلطف الرياض من أسعار النفط العالمية.
لكن هناك هدفا واحدا لن تحققه الولايات المتحدة على الأرجح في أي وقت قريب وهو إقناع الرياض بالسير في ركاب دول عربية، منها الإمارات والبحرين، طبعت العلاقات مع إسرائيل بموجب ما عرف باسم اتفاقيات إبراهيم عام 2020.
ووصفت باربرا ليف، كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط، يوم الأربعاء، تقارير في الصحافة الإسرائيلية عن هذا الاحتمال بأنها "مبالغات مفرطة".
وقالت إن ولي العهد السعودي لديه أولويات أخرى، خاصة تلك المتعلقة بخطة رؤية 2030 لتحديث اقتصاد المملكة وتقليص اعتمادها على النفط.
رويترز