خمسة أشهر مرّت على انعقاد جلسة إنتخاب الرئيس الحادية عشرة، في 12 كانون الثاني/ يناير الماضي حيث أراد حينها رئيس مجلس النواب نبيه بري، إيقاف هذه "المهزلة التي تسيء للمجلس النيابي" مع العلم إنه سبق أن أعلن منذ أسابيع عن تاريخ 15 حزيران/يونيو كمهلة تحذيرية لانتخاب رئيس للجمهورية، ودعا الفريق المعارض إلى ترشيح شخصية للتوجه الى المجلس، وليفز الرئيس بالتنافس الديمقراطي. وبعد أن أعلنت قوى المعارضة و"التيار الوطني الحر"، عن ترشيح الوزير الأسبق جهاد أزعور، دعا الرئيس بري الى جلسة إنتخابية يوم الاربعاء المقبل في 14 حزيران/ يونيو، ما أثار الكثير من اللغط حول الأسباب التي دفعت رئيس المجلس إلى ترحيل الجلسة إلى الأسبوع المقبل بدلا أن يحدّدها هذا الأسبوع على قاعدة "خير البرّ عاجله"، لكن، أحد النواب أكد لموقع "وردنا" أنه من صلاحية رئيس البرلمان تعيين الجلسة متى يشاء، لكن لا بد أن الرئيس بري أراد إفساح المجال أمام الأفرقاء علّهم يصلون الى صيغة ما يمكن أن تخرج الانتخابات الرئاسية من عنق الزجاجة كما أنه أخذ في الاعتبار، جدول المواعيد المحددة لجلسات اللجان النيابية. في حين، اعتبر نائب آخر أن الدعوة، تبدو كأنها التزام بالمهلة التي كان قد حددها رئيس المجلس سابقاً، وفي الوقت نفسه، إرضاء لبكركي التي أوفدت المطران بولس عبد الساتر إلى حارة حريك للتشاور في التطورات الرئاسية الجديدة.
ليس مستبعدا أن تكون الورقة البيضاء، المنافس الأبرز لأزعور
إذا، مما لا شك فيه أن الجلسة المقبلة ستكون لجس النبض، وإحصاء عدد الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها كل مرشح، لذلك، منذ لحظة إعلان أزعور كمرشح رسمي، واستمرار تمسك "الثنائي الشيعي" برئيس " تيار المردة" سليمان فرنجية، تتكثف "البوانتاجات" المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في كواليس الفريقين بحيث أن داعمي ترشيح أزعور، يقولون أنه قادر على تأمين 65 صوتا رغم أن موقف "اللقاء الديمقراطي" الذي من المرجح أن يٌعلن بعد إجتماع يوم غد الخميس، ليس واضحا حتى اللحظة إذ يؤكد نوابه أنهم لن يصرّحوا بأي موقف قبل الاجتماع في حين تشير بعض المعلومات الصحافية الى أن التوجه نحو تسمية أزعور خصوصا أنه كان مطروحا على اللائحة التي قدّمها رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط خلال مبادرته الرئاسية منذ أشهر. كما أن كتلة "الاعتدال الوطني" والنواب السنّة المستقلين، لم يعلنوا حتى الآن لصالح من سيصوّتون الى جانب بعض النواب التغييريين الذين يتواصل معهم أزعور، ويتناقشون في برنامج عمله، وأولوياته وخططه الإنقاذية. ووفق معلومات "وردنا"، فإن المعارضة تطمح في الوصول الى 65 صوتا ما يعني، إحراج الفريق الآخر، وتحميله مسؤولية الشغور خصوصا أن القوى المسيحية في أغلبها، ستصوّت لأزعور الذي في حال حصل على 65 صوتا، يكون الرئيس المنتخب مع وقف التنفيذ.
في المقابل، يعقد "الثنائي الشيعي"، إجتماعات تنسيقية لدرس الخطوات والخيارات التي يُمكن اتخاذها في مواجهة خطة الفريق الآخر الساعي إلى "إسقاط ترشيح فرنجية"، واللقاءات ستتوسع بين كل الحلفاء في الأيام القليلة المقبلة للتباحث في السيناريوهات المحتملة للجلسة إذ قالت مصادر حليفة لـ"الثنائي" لموقعنا إن كل الخيارات واردة بحيث يمكن مقاطعة الجلسة الأولى أو تعطيل نصاب الدورة الثانية مع التوجه الى التصويت لصالح الورقة البيضاء لأن ترشيح أزعور "مجرد مناورة، هدفه ضرب ترشيح فرنجية لا مواجهته فعلياً، ومرشحنا لا يخضع للبازار السياسي"، وبالتالي، ليس مستبعدا أن تكون الورقة البيضاء، المنافس الأبرز لأزعور. مع العلم أن الرئيس بري، أكد في حديث صحافي على التصويت لفرنجية، "نحن وحلفاؤنا. صوّتنا بالورقة البيضاء قبل إعلان ترشيحنا لفرنجية. هناك كتل أخرى، تريد التصويت بورقة بيضاء لأنها غير راضية عن المرشحين".
الجلسات المتتالية الروتينية، والتي ملّ منها اللبنانيون، ستطغى على المشهد السياسي في المرحلة المقبلة
في الموازاة، يؤكد العارفون أن مشهد الجلسة المقبلة ضبابي، ومن شبه المستحيل، إحصاء الأصوات بدقة إن كان لصالح فرنجية أو لصالح أزعور لأن الكثير من النواب لن يعلنوا عن مواقفهم إلا في صندوق الاقتراع خصوصا أولئك الذين يقولون أنهم لن يصوّتوا لأي مرشح لا تتفق عليه أكثرية الأطراف في البلد، لكن في الوقت عينه، لا بد من الإعتراف أن الجلسة الثانية عشرة، سيغلب عليها طابع التشويق، وستكسر روتين ورتابة الجلسات التي سبقتها، رغم أن العودة الى سيناريو جلسات الإنتخاب الأولى شبه أكيد أي يشارك "الثنائي" في الجلسة الأولى، ويطيّر نصاب الدورة الثانية. وهذا، السيناريو، يصفه أحد نواب المعارضة في تصريح لموقع "وردنا"، "بالعملية الإنقلابية لتعطيل الاستحقاق، وحرمان لبنان لحظة النهوض والتقاط الأنفاس. التعطيل الدائم ليس ضمن اللعبة الدستورية إنما يمكن أن يكون تكتيكا في مرحلة معينة قصيرة". وبالتالي، من مسؤولية النائب اليوم أكثر من أي وقت مضى، القيام بواجباته الدستورية، وإن أعطاه الدستور حق عدم الحضور أو التصويت بالورقة البيضاء أو الامتناع عن التصويت أو المقاطعة، لكن لا يجوز أن يتحول ذلك الى نهج تطويعي لعمل سياسي ولاستحقاقات دستورية هامة في بلد ينهار، والّا فليقفل المجلس النيابي. ومن وضع الدستور، لم يفترض أبدا سوء النية عند مطبّقيه، لذلك يقول ما يجب فعله وليس ما لا يجوز فعله. الدستور ليس مزحة، وفوق كل الأهواء السياسية.
وفي ظل هذا الستاتيكو الرئاسي، والمعادلة الصعبة في البرلمان، يسأل أحد النواب التغييريين الذين سيصوتون لأزعور :"لماذا لا نترك العملية الديمقراطية تأخذ مجراها، ولنتوجه جميعا الى البرلمان، والبقاء هناك لعقد دورات متتالية الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ومن يحصل على عدد أكبر من الأصوات، يصبح رئيسا؟. ليس منطقيا العودة الى المربع الأول في الانتخابات الرئاسية، لأن وضع البلد لا يسمح كما أن ذلك يشكل نسفا للعبة الديمقراطية في الاستحقاقات الدستورية، وحبّذا، لو يضع النواب، مسألة إنتخاب الرئيس في أولوياتهم، وعدم المساهمة في تفكيك البلد ومؤسساته أكثر وأكثر".
على أي حال، غدا لناظره قريب، والجلسة الانتخابية التشويقية غير المنتجة بعد أيام، وعودة سيناريو الجلسات المتتالية الروتينية، والتي ملّ منها اللبنانيون، ستطغى على المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، الى حين الوصول الى لحظة ما، سينزل فيها الجميع عن الشجرة، ويجلسون على طاولة واحدة للتوافق على اسم، ما يعني أن مرحلة اختيار الشخصية الثالثة قد انطلقت، لكن من الصعب تحديد مدتها، والى حينها، لا رئيس للجمهورية في المدى المنظور رغم الأسى الذي يشعر به كثيرون على فقدان اللعبة الديمقراطية خصوصا في المؤسسات الدستورية، وفي الاستحقاقات الهامة، ونظرة سريعة على جلسة 1970 حين فاز سليمان فرنجية الجد على المرشح الياس سركيس بفارق صوت واحد، يؤكد "مدى الانحدار الذي وصلنا اليه" بحسب أحد المحللين السياسيين.