لقرون عديدة، مثّل مرض الهيموفيليا (hemophilia)، المعروف أيضاً بنزف الدم الوراثي، واحداً من أخطر الأمراض التي استعصت على الأطباء. وفي الغالب، يفارق المصابون بهذا المرض الحياة بشكل مبكر دون أن يبلغوا الثلاثين من العمر حيث من الممكن أن تتسبب حادثة سقوط أثناء اللعب في نزيف داخلي لا يتمكن جسد المصاب بالهيموفيليا من علاجه، بسبب عدم قدرته على السيطرة على عملية تخثر الدم، ما يؤدي للوفاة.
وفي أوروبا ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، تحوّلت الهيموفيليا لمرض الأباطرة والملوك. فبسبب العوامل الوراثية لهذا المرض والزيجات الملكية بين مختلف السلالات الحاكمة حينها بالقارة العجوز، سجلت الهيموفيليا ظهورها بين العديد من أفراد العائلات الملكية بأوروبا وأدت لوفاة كثير منهم بشكل مبكر.
إلى ذلك، يلقي المؤرخون اللوم على الملكة البريطانية فكتوريا ويتهمونها بنشر هذا المرض، حيث كانت حاملة لجينات الهيموفيليا على الرغم من عدم إصابتها به، التي نقلتها لعدد من بناتها اللواتي تزوجن فيما بعد بأفراد من العائلات الحاكمة الأخرى بأوروبا.
مرض أرّق بيت هانوفر
وصعدت فيكتوريا على عرش بريطانيا عقب وفاة ويليام الرابع (William IV) وأصبحت ملكة البريطانيين خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1837 و1901. ومن زواجها بالأمير ألبرت، رزقت ملكة بريطانيا بتسعة أبناء، حمل العديد منهم جينات مرض الهيموفيليا الذي أرّق أفراد بيت هانوفر (House of Hanover) الذين حكموا بريطانيا في الفترة ما بين عامي 1714 و1901.
فطيلة القرون الماضية، تزاوج عدد هام من أفراد بيت هانوفر فيما بينهم، حيث لجأ كثير منهم للزواج بأقربائهم خالقين بذلك بيئة ملائمة لظهور هذا المرض بعائلتهم. ومنذ القرن السابع عشر، فارق كثير من أفراد بيت هانوفر الحياة في سن مبكر بسبب الهيموفيليا التي عجز الأطباء حينها عن علاجها.
وبالنسبة للملكة فيكتوريا، فقد فارق ابنها الأمير ليوبولد (Leopold)، دوق ألباني (Duke of Albany)، الحياة عن عمر يناهز 30 عاماً بسبب هذا المرض حيث وقع وعانى من نزيف عند مستوى الدماغ عجز الأطباء عن وقفه.
كما لقي 6 من أحفادها حتفهم خلال السنوات التالية بسبب الهيموفيليا. وعلى رأس قائمة الضحايا، أبناء الأميرة بياتريس (Beatrice) الابنة الصغرى لفيكتوريا، حيث فقدت 3 من أبنائها بسبب جينات الهيموفيليا.
مرض انتقل لروسيا وأرّق عائلة رومانوف
من ناحية ثانية، نقلت فيكتوريا جينات الهيموفيليا نحو عرش الإمبراطورية الروسية وساهمت في زيادة معاناة عائلة رومانوف (Romanov) التي واجهت خلال تلك الفترة احتجاجات شعبية متزايدة بسبب الحركات العمالية وتدهور المعيشة.
ففي حدود عام 1894، تزوّج القيصر نيقولا الثاني من الأميرة أليكس (Alix)، ابنة الأميرة أليس (Alice) وحفيدة الملكة فيكتوريا، التي حملت اسم ألكسندرا (Alexandra) عقب زواجها.
إلى ذلك، حملت حفيدة الملكة فيكتوريا جينات الهيموفيليا معها ونقلتها لابنها الوحيد ووريث عرش روسيا ألكسي نيقولايفيتش (Alexei Nikolaevich) الذي عانى من ويلات هذا المرض طيلة فترة حياته التي انتهت بشكل تراجيدي عقب الثورة البلشفية، حيث أعدم هذا الطفل، مع بقية أفراد عائلته، وهو في الثالثة عشرة من العمر من قبل البلشفيين.
كما ساهم مرض وريث العرش في دخول الراهب والمعالج الروحاني غريغوري راسبوتين (Grigori Rasputin) للبلاط القيصري الروسي. واستدعي راسبوتين ذات مرة لوقف نزيف عانى منه ألكسي وفشل الأطباء في علاجه بطريقة ملائمة. وبشكل مفاجئ، تمكّن راسبوتين من وقف هذا النزيف وأنقذ وريث العرش ليتحول بذلك لشخص مقرب من العائلة الحاكمة بروسيا ويباشر بالتدخل في شؤون البلاد، مثيراً بذلك قلق وغضب الروس الذين شككوا فيما بعد في علاقته بالملكة ألكسندرا ودوره بالبلاط القيصري.
العربية