مقالات

قبل النكبة وبعدها: إنها فلسطين الحاضرة دوما في الوجدان والكتابات

يقاوم الفلسطيني بالحجارة وما توافر لديه من سلاح أمكن تصنيعه في الداخل الواقع تحت ألف حصار ورقيب، لكن ثمة حافز يبقى البوصلة لوجهته في النضال الذي لا ينطفئ يوما، حيث اختار أن يستمد نبض الثورات من إرث الأدب، وهو ما أضاء إليه موقع "ذا كونفرزيشن" في مقال نشرته "رويترز"، يستعرض الدور الوثيق في رفد الفلسطيني بإرادة المقاومة والدفاع عن الأرض متسلحا أحيانا بفقرة من شعر لـ"محمود درويش"، أو غيره ممن آثروا الدفاع عن الأرض المسلوبة بسير ونصوص وتاريخ يحكي عن جمالية فلسطين وإرثها الانساني قبل النكبة، وويلاتها بعد عام 1948 وصولا الى يومنا هذا المزدحم بالاعتداءات والحصار والاغتيالات.

قبل النكبة وبعدها: إنها فلسطين الحاضرة دوما في الوجدان والكتابات

الروائي والمفكر الفلسطيني غسان كنفاني، اغتيل على يد الموساد عام 1972 في لبنان

ينطلق الموقع الاسترالي-البريطاني،الرائد في نشر مقالات تقوم على الأبحاث، بالتعاون بين أكاديميين وصحافيين، من فكرة اضطهاد المجتمعات: "عندما يعاني المجتمع من الاضطهاد والصدمة، يساعد الأدب شعبه من خلال منحه صوتًا وتعزيز هويته. إنه يعطي الصدمة لأولئك الذين عانوا، وهذا هو الحال بالنسبة للفلسطينيين ، الذين يلعب أدبهم - ولا سيما أدب المقاومة - هذا الدور. في الواقع، اشتهر الكتاب الفلسطينيون بالتعبير عن آلامهم ومعاناتهم، ولكن أيضًا لمساهمتهم في جلب الأمل والإثراء الجمالي من خلال الأدب.

جداريّة لغسّان كنفاني في مخيّم الدهيشة شرقي بيت لحم في الضفة الغربية

فالأدب الفلسطيني جزء من الأدب العربي الأوسع الذي يعود إلى عصر ما قبل الإسلام. وهو مرتبطة بقصة اللغة العربية وإنتاجها الأدبي الطويل الأمد. ومع ذلك، فقد ظهرت أولى الحركات المتميزة لشعر المقاومة الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني في فلسطين(1918-1948) ".

ولادة إسرائيل ومحنة فلسطين

وتستعيد "ذا كونفرزيشن"، في مقال للصحافية "جو أديتونجي" دور الشعر في توثيق مرحلة الانتداب البريطاني: "رثى الشعراء الدمار الذي ألحقه البريطانيون بالمجتمع الفلسطيني، ولا سيما خلال ثورة 1936-1939. خلال تلك الفترة، نعى شعراء مثل إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وأبو سلمى الكرمي أولئك الذين دفعوا أرواحهم ثمنا للزود عن الأرض، مبرزين الخطر الزاحف الذي مثلته الصهيونية على فلسطين كوطن عربي راسخ. وكذلك تناولوا نكبة فلسطين عام 1948، عندما استعمرت إسرائيل 78 في المئة من فلسطين، في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. فكان أن ناجى الشعراء الوطن، وعبروا عن التحدي، ونقلوا الخطر الوشيك المترصد بهم لجهة النفي والصعوبات التي ألمت بهم بعد عام 1948".

ويضيف المقال: "مثّل صعود الفلسطينيين في الستينيات من خلال منظمة التحرير الفلسطينية علامة فارقة أخرى في رحلة المقاومة الشعرية الفلسطينية. التقى شعراء فلسطينيون من داخل ما أصبح يُطلق عليه اسم إسرائيل، ومن المنفى في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة، على التعبير عن تجربة نزع الملكية الفلسطينية وتزايد موجات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتميزت هذه الفترة بالإنتاج الشعري والأدبي اللافت للشعراء والروائيين الفلسطينيين، ومنهم الروائي الفلسطيني الشهير غسان كنفاني الذي اغتالته إسرائيل عام 1972، والشعراء الفلسطينيون الكبار أمثال محمود درويش ، سميح القاسم، فدوى طوقان. وتشرّع روايات كنفاني، مثل "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا" أفقًا واسعًا لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين وشوقهم إلى وطنهم".

وترى المقالة أن "كتابات الثورة أسهمت في التأسيس لأدب المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. من بين كل هذه الشخصيات المهمة، جاء درويش ليرمز إلى الشعر الفلسطيني في أرقى درجاته وينال شعبية في فلسطين والعالم العربي على نطاق أوسع".

فلسطينيون يغادرون حيفا عام 1948

عواصم التجديد

وتلفت المقالة الى الدور الذي لعبته حركات التجديد في الأدب العربي، حيث كانت "عواصم مثل بيروت وبغداد والقاهرة بمثابة أماكن محفزة للابتكار في شكل ومحتوى الأدب. هنا، يتخطى الأدب الأيديولوجيا والعقيدة ويتحدث عن اهتمامات جمالية وإنسانية أعمق، وعلى الرغم من كونه متجذر في المكان والزمان، فإنه عبر أيضًا عن مصير وظروف البشر المحاصرين في المأساة".

العاصمة اللبنانية

وتشير المقالة الى الدور النضالي الذي لعبته بيروت من بوابة الأدب والنهضة الثقافية: "أصبحت العاصمة اللبنانية بيروت إحدى المواقع المضيئة للأدب الفلسطيني خلال السبعينيات والثمانينيات ، حيث كان يقيم درويش. بعد إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982 كتب درويش بعضًا من كتبه الأدبية الرئيسية بما في ذلك "ذاكرة النسيان" التي توثق القصف الإسرائيلي المروع لبيروت، وتحث الفلسطينيين على المقاومة:

"حاصر حصارك بالجنون !

وبالجنون !

وبالجنون !

ذهب الذين تحبهم،ذهبوا..

فإما أن ( تكون )

أو ( لا تكون )

سقط القناع عن القناع"

وظل درويش أقوى صوت في المشهد الغني للأدب الفلسطيني حتى وفاته عام 2008، تاركًا وراءه سجلاً غير عادي من المقاومة والجمال".

شارع الحمرا - بيروت

أدب بأصوات متعددة

وترصد المقالة الأدب الفلسطيني بوجهيه؛ الداخل والشتات: "الأدب الفلسطيني الحديث متنوع ويشتمل على أصوات متعددة، بين من يعيش في فلسطين ، وكذلك من يعيش في الشتات، سواء كان ذلك في العالم العربي أو في الغرب. وكانت هناك بعض الترجمات الجديرة بالثناء للأدب الفلسطيني إلى اللغة الإنكليزية ولغات أخرى - مثل رأيت رام الله لمريد البرغوثي (1997) أو "سرحات فلسطينية: لمحات من مشهد مآله الزوال للكاتب رجا شحادة، الحائز على جائزة أورويل لعام 2008. وعلى مدى العقدين الماضيين ، أصبحت الكتابات الجديدة باللغة الإنكليزية لمؤلفين فلسطينيين مهمة بسبب تفاعلهم الشديد مع الوضع الفلسطيني. ويتضمن هذا الجيل الجديد من الروايات الفلسطينية باللغة الإنكجليزية رواية سوزان أبو الهوى "الصباح في جنين" وكذلك رواية إيزابيلا حماد الأولى "الباريسي" والثانية "أدخل أيها الشبح". وتتصارع هذه الروايات مع فلسطين التاريخية والحديثة، والتحديات التي يواجهها الناس المحاصرون في متاعب وطنهم على المستوى المجتمعي والفردي".

بطاقة هوية الشاعر محمود درويش

ويشير الموقع الى ثراء الكتابات الفلسطينية عن النكبة، مستشهدا بكتاب "خارطة الغياب: مختارات من الكتابة الفلسطينية عن النكبة". ويضم ما يقرب من 50 كاتبًا فلسطينيًا يمثلون خيوطًا مختلفة في الأدب والتوجهات.

ويضيف: "في جميع الكتابات الفلسطينية ، هناك رغبة قوية في إظهار حياة الفلسطينيين قبل نكبة عام 1948. غادة كرمي مثال جيد. تم طردها مع عائلتها من القدس في عام 1948، ومذكراتها، "بحثًا عن فاطمة" هي انعكاس رائع للثمن الذي لا يُحصى لانتزاع الملكية والنفي. كما تستحضر روايات إبراهيم نصر الله، "زمن الخيول البيضاء" و"فوانيس ملك الجليل" الحياة في فلسطين تحت عدة سلطات، بما في ذلك الإمبراطورية العثمانية ثم الانتداب البريطاني، قبل أن تمزق البلاد بشكل لا رجعة فيه من قبل القوات الصهيونية عام 1948".

تظاهرة نسائية في الأردن عام 1968

وتخلص المقالة الى أنه "كانت الحياة في فلسطين آمنة ووافرة مع إنتاج جيد من الأرض، وكانت الثقافة متجذرة في الأنشطة المتعلقة بتغير المواسم حول قطاف الزيتون، والأغاني الجماعية والعروض بمختلف أنواعها في مدن البحر الأبيض المتوسط الجميلة، مثل حيفا وعكا.

لقد غيرت النكبة كل ذلك عام 1948 - وكانت الرواية الإسرائيلية عن الفلسطينيين تنكر لهم الصوت والوجود والفاعلية. لقد مثل الأدب الفلسطيني قصة رائعة لشعب يستمر إبداعه وإرادته في الحياة بالتألق من خلال الشعر والروايات واللوحات والموسيقى وسط استمرار قمع الاحتلال الإسرائيلي وتزايد اللاإنسانية..". 


The Conversation

يقرأون الآن