بعد أشهر من الفتور لا بل البرودة الشديدة التي سادت العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، على خلفية دستورية جلسات حكومة تصريف الأعمال، والملف الرئاسي، وترشيح الحزب لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، يبدو أن مياه العلاقة بدأت تعود الى مجاريها شيئا فشيئا رغم أن مصدرا مطلعا أكد لموقع "وردنا" أن الأمور لن تعود كما في السابق، لأن الظروف تغيّرت، ومرحلة "اتفاق مار مخايل" انتهت، والزيارة التي قام بها وفد من الحزب برئاسة رئيس لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا لرئيس "التيار" النائب جبران باسيل مؤخرا لا تعني أن العلاقة استعادت عافيتها لأنها تعرضت لاهتزاز كبير، وما يجري بين مناصري ومؤيدي الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي خير دليل. العلاقة باتت في حاجة إلى إعادة ترميم أي صياغة جديدة لتفاهم مار مخايل على قاعدة أن المعمول به حالياً لم يعد يصلح لمواكبة المرحلة السياسية الراهنة خصوصا أن باسيل يعلم جيدا ضرورة تمايزه عن الحزب في كثير من القرارات والمواقف الوطنية التي ترضي الشارع المسيحي الذي خسر منه نسبة لا تطمئن مستقبل "التيار البرتقالي"، وبات مضطرا لشد عصب شارعه.
على أي حال، فإن باسيل أعلن بالفم الملآن :"أننا عاودنا التحاور مع حزب الله بذهنية إيجاد حلّ من دون فرض شروط مسبقة، وهذا الحوار الذي بدأ بوتيرة جيدة وإيجابية، نأمل أن يتكثف للوصول إلى نتائج تأتي بالمنفعة لجميع اللبنانيين وليس لفريق على حساب آخر".
وعلى الرغم من أن الطرفين اتفقا على عدم تسريب ما تم نقاشه في اللقاء الا أن مصدرا مطلعا أكد لـ"وردنا" أن النقاش لم يدخل في تفاصيل القضايا الخلافية إنما بقي في الإطار العام لتهدئة النفوس وضبط الانفلات على مواقع التواصل الاجتماعي بين المناصرين. مع العلم أن علاقة الحزب مع "التيار" لم تنقطع كليا إنما استمر التواصل بين باسيل وصفا بعيدا عن الأضواء، في محاولة لابقاء الخلاف محصورا في الملف الرئاسي إذ اعقاب جلسة 14 حزيران الماضي لانتخاب رئيس للجمهورية، حرص باسيل على شرح موقفه من الحوار الذي فُهم منه أن لديه شروطا مسبقة لأي حوار، مع تأكيده أن موقفه من ترشيح فرنجية نهائي، لكن بعد أن تم الحديث عن أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، سيطرح على اللبنانيين طاولة حوار تناقش الخيار الرئاسي الثالث، ظهرت مواقف باسيل والحزب متطابقة لناحية الترحيب بالحوار أكثر من الجهات الأخرى لاسيما المعارضة التي تقاطعت مع "التيار" حول اسم الوزير السابق جهاد أزعور كما برزت المواقف المتقاربة حول ملفات هامة وتعيينات مقبلة كتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان وتعيينات المجلس العسكري، ما يمكن أن "يبنى عليه لإعادة وصل ما انقطع، لكن المسار لا يزال في بدايته، ولا أحد يمكن أن يتوقع منحى العلاقة المستقبلية".
وأكد مصدر مطلع أن اللقاء لم يحقق أي نتائج هامة، لكن في كل الأحوال، من المبكر الحديث عن تطور نوعي في العلاقة بين الطرفين. التواصل المستجد يساهم في إيقاف أو كبح أو لجم تدهور العلاقة، وعدم التسليم بالقطيعة الكاملة، وأن الأمور متجهة نحو تداعيات أسوأ بسبب الخيارات المتناقضة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن التوازنات الداخلية، تلعب دورها في الاستحقاقات من انتخاب الرئيس الى جلسات الحكومة الى التعيينات. وبالتالي، الحزب يستشعر الحاجة للابقاء على خيوط التواصل مع "التيار". أما لناحية باسيل، فبات يشعر أن تغطيته المسيحية لسلاح الحزب، أصبحت أضرارها أكثر من منافعها عليه، وهو يرى أن لدى الحزب مصالح وخيارات استراتيجية أخرى اقليمية ودولية. إذا، انها مجموعة مصالح آنية تفرض التقارب اذ كل طرف لديه مصلحته. وبالتالي، العلاقة ستبقى محدودة ووفق ما تقتضيه مصلحة الطرفين.
توازيا، يجمع كثيرون على أن اللقاء الذي سيستتبع بلقاءات أخرى على أمل التفاهم أو التوافق مجددا على بعض القضايا، وإعادة تعزيز التواصل على مستوى القاعدة الشعبية، في حين أشار مصدر مقرب من الحزب لموقع "وردنا" الى أنه يمكن وصف اللقاء الذي أتى بعد انقطاع طويل لأول مرة منذ ١٧ عامًا على خلفية التباين الكبير على رئاسة الجمهورية، بلقاء كسر الجمود، وسيشكل مدخلا لبداية نقاش هادىء حول الملفات الخلافية، ومنها ملف رئاسة الجمهورية من دون شروط مسبقة، وهذا كان شرط حزب الله لإعادة التواصل لأن باسيل كان يشترط التخلي عن دعم فرنجية قبل البدء بأي حوار. الطرفان حريصان على علاقة الصداقة بالحد الأدنى، ويسعيان إلى إعادة ترميم الثقة بينهما، وقد عقد أكثر من لقاء اتّسم بالوضوح والشفافية وطرح الأمور كما هي".
وفيما يؤكد مصدر من "التيار" ان الرئيس السابق ميشال عون ينأى بنفسه عن النقاش بين "التيار" والحزب، ويترك الموضوع لصهره باسيل الا أنه في الوقت نفسه يريد إعادة صياغة تفاهمه مع "حزب الله" انطلاقا من المعطيات المستجدة، والواقع السياسي المتغير. ومهام تشكيل اللجنة المشتركة بين الطرفين تصب في هذا السياق أي لتطوير أو تعديل أو الغاء بعض البنود الواردة في التفاهم بينهما.
وإذا كان الواقع الحالي يشير الى أن الحزب لن يتخلى عن مرشحه فرنجية، وهو ليس في وارد البحث عن خطة "ب"، ويتعامل مع دعم ترشيحه لفرنجية كما تعامل مع دعم ترشيح عون للرئاسة، واذا كان الواقع يشير أيضا الى أن باسيل يجد نفسه مضطرا للتغيير في سلوكه السياسي والتمايز عن الحزب لشد عصب الشارع المسيحي، فإن العلاقة تتجه نحو الترميم حفاظا على ماء الوجه، أو التنظيم وليس إعادة البناء على مداميك قوية وثابتة وفق ما كانت عليه منذ 17 عاما وفق أحد المراقبين.
خاص وردنا