رصدت دراسة نشرت في "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" في أبو ظبي، السيناريوهات المحتملة للانقلاب العسكري على الرئيس الغابوني علي بونغو، الذي فاز بولاية ثالثة قبل الإطاحة به من قبل قوات الجيش، وتولي الجنرال بريس أوليغي (48 سنة) مؤقتا مهام رئيس الجمهورية.
طرحت الورقة عدة سيناريوهات مُحتملة خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
التقارب مع روسيا
يمكن أن يدفع المجلس العسكري الجديد في الغابون نحو تعزيز التقارب مع روسيا، على حساب تقاربات ليبرفيل السابقة مع فرنسا. ويستند هذا السيناريو إلى التقديرات التي تُشير إلى احتمال وجود دور روسي في دعم جهود الانقلاب الأخير في الغابون، في ظل التحركات الروسية التي تستهدف توسيع نفوذها في وسط إفريقيا.
ومع ذلك، حسب مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، فحتى الآن لا توجد أي مؤشرات تدعم هذا المسار، لكن هذا السيناريو ربما يكون الأكثر ترجيحاً في حال شهدت التظاهرات الشعبية الداعمة لقادة الانقلاب في الداخل الغابوني رفعاً للأعلام الروسية.
الحفاظ على التقارب مع الغرب
مازال هذا السيناريو هو الأقرب حتى الآن، وهو يفترض أن يكون هذا الانقلاب مدعوماً من قبل الغرب، أو على الأقل نجاح القوى الغربية في التنسيق مع قادة الانقلاب العسكري في الغابون لتأمين مصالحها هناك، والحيلولة دون اتجاه المجلس العسكري الجديد للتقارب مع روسيا.
وربما تدعم هذا السيناريو تصريحات قادة الانقلاب العسكري في الغابون التي عكست وجود مساعٍ إلى طمأنة الغرب وتجنب أي توترات مع القوى الغربية.
انقلابات مضادة
على الرغم من الدعم الشعبي الحالي للانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم آل بونغو، فإن التصريحات الأخيرة من قبل قوى المعارضة الغابونية ودعوتها قادة الانقلاب إلى ضرورة الاعتراف بمرشحها الرئاسي، ألبرت أوندو أوسا، رئيساً للبلاد بعد اعتراف قادة الانقلاب بعدم شفافية العملية الانتخابية الأخيرة، تعكس مؤشرات بشأن احتمال تزايد التوترات في الداخل الغابوني خلال الفترة المقبلة.
في هذا الصدد، أشارت الورقة البحثية سالفة الذكر إلى أن قائد المجلس العسكري الجديد هو ابن عم الرئيس المعزول علي بونغو، وبالتالي يُعد من المحسوبين على نظام آل بونغو، لذا لا يستبعد أن يؤدي تصاعد الاضطرابات السياسية إلى حدوث انقلابات عسكرية مضادة في الغابون.
وفي تقديرها للوضع، أوردت الورقة أن المشهد الداخلي في الغابون مازال يتسم بحالة من الضبابية الشديدة التي يصعب من خلالها توقع حدوث أي من السيناريوهات السابقة. وربما يزداد الأمر غموضاً بسبب الطبيعة المميزة لحالة الغابون مقارنة بدول وسط وغرب إفريقيا التي شهدت انقلابات عسكرية سابقة.
بالتالي، رأت الوثيقة أن هناك حالة من الترقب الحذر من قبل الأطراف الداخلية والخارجية لتوجهات المجلس العسكري الجديد في الغابون، لكن يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الانقلابات العسكرية في وسط إفريقيا، خاصةً في ظل التنافس الدولي الحاد والمتنامي.
سياقات الانقلاب العسكري
على صعيد آخر، تباينت التقديرات بشأن سياقات الانقلاب العسكري الأخير الذي شهدته الغابون والأطراف الخارجية التي ربما تكون مُنخرطة في دعمه والإطاحة بحكم آل بونغو، إذ هناك من أرجعه إلى وجود دعم روسي غير معلن، بحسب صحيفة "هسبريس"، فيما أرجعته فعاليات بحثية أخرى إلى دور بريطاني محتمل. فرغم علاقة الغابون التاريخية والوثيقة بفرنسا، بيد أنها انضمت في حزيران/يونيو 2022 إلى مجموعة الكومنولث البريطانية، لتشكل بذلك أحد أعضاء المجموعة المحدودين من الدول التي لم تكن مستعمرة سابقاً من قبل بريطانيا.
وهناك من رأى الأمر خطوة استباقية من فرنسا، إذ ربطت بعض التقديرات بين الانقلاب العسكري الأخير الذي قاده الجنرال بريس أوليغي نغويما وصفقة التسليح التي جرت بين الغابون وفرنسا، نهاية تموز/يوليو، التي بموجبها تم تسليح الحرس الجمهوري الغابوني بأربع مدرعات فرنسية من طراز “AML-90″، وهو ما جعله القوة الأكبر والأكثر تجهيزاً في الداخل الغابوني.
كما أوضحت الورقة أن هناك تطلعات أميركية جديدة في إفريقيا، إذ ربطت تقديرات أخرى بين الانقلاب العسكري الأخير في الغابون ومساعي الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية. وفي هذا الصدد أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن هناك تطلعات جارية لدى الولايات المتحدة تستهدف تقويض النفوذ الفرنسي في غرب ووسط إفريقيا مقابل تعزيز النفوذ الأميركي.