من يراقب المشهد السياسي الداخلي، يلاحظ أن هناك الكثير من المبادرات والقليل من الإنتاجية. ومن يراقب حركة الديبلوماسيين والموفدين باتجاه بيروت، يتأكد أنها لا تزال حركة بلا بركة وسط الكثير من التشاؤم في انتخاب رئيس للجمهورية خلال شهر أيلول/سبتمبر الذي تتخلله مبادرة دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري تتمحور حول حوار على مدى سبعة أيام، للدخول بعدها في جلسات نيابية مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية حيث أوضح مصدر مقرب من عين التينة لموقع "وردنا" أن بري أراد تلبية مطلبي فريق الموالاة وفريق المعارضة، أي الجمع بين الحوار والدورات المتتالية لانتخاب رئيس للجمهورية" مع التأكيد على أن هذه الدعوة لا تعني أن مبادرة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي يصل الى لبنان خلال أيام "قد فشلت قبل أن تبدأ خصوصا بعد موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من إيران وإتهامها بالتدخل في الشؤون اللبنانية، وعرقلة الاستحقاق الرئاسي".
ورغم أن البطريرك الماروني بشارة الراعي أبدى تأييده لدعوة بري عبر حضّه النواب على الذهاب إلى الحوار "من دون أحكام مسبقة وإرادة فرض الأفكار والمشاريع" الّا أن الرد جاء بعد ساعات من قبل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي شنّ هجوماً على "فريق الممانعة" (حزب الله وحلفائه) والدعوة للحوار، قائلاً: "يدعونك للحوار ليخنقوك ويقتلوك ويجبروك كي تفعل ما يريدون". أما رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، فسأل: "هل آتي إلى الحوار كخروف ذاهب إلى الذبح؟".
أما على صعيد مبادرة لودريان، فإذا لم يتم تعديلها وطرحها بصيغة مقبولة وواقعية، وفق ما أشار أحد نواب المعارضة لموقعنا، فمكتوب عليها الفشل بعد تكرار الأحزاب المسيحية المعارضة أنها غير معنية بأي حوار حول الاستحقاق الدستوري لأن القانون واضح في هذا الاطار، ما يعني أن "غلة أيلول السياسية" لن تكون وفيرة، لا بل ستكون السلة الرئاسية فارغة مع العلم أن وجهة لودريان المقبلة ستكون السعودية لتسلّم مهامه الجديد رئيساً لوكالة التنمية الفرنسية في العلا، ومن غير المعلوم عندها أين سيكون لبنان في لائحة أولوياته.
ليس مستبعدا أن نصل الى حائط مسدود تفتح تداعياته الأبواب على كل السيناريوهات
وسط كل هذه الضبابية، تتحدث المعلومات عن حركة قطرية جادة ومكثفة للوصول الى حلّ الازمة الرئاسية، وأن سفيرها الجديد في لبنان وديبلوماسييها وموفديها، يجرون سلسلة لقاءات واتصالات مع مختلف الأطراف علّهم يسهلون مهمة لودريان أو يفككون بعض العقد التي تعترض مبادرته في وقت لفتت معلومات صحافية الى توجّه عربي ودولي لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، خاصة بعد أن دقّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري جرس الإنذار مع إعلانه التمسك بقرار مصرف لبنان عدم تسليف الحكومة لا بالدولار ولا بالليرة اللبنانية، وبالتالي عليها أن تتدبر شؤونها بنفسها مع العلم أن التحرك القطري باتجاه القوى السياسية يتركز على ثلاثة أسماء: قائد الجيش العماد جوزيف عون، النائب نعمة افرام والوزير السابق زياد بارود، لكن في الأيام القليلة الماضية، لوحظ تعويم اسم قائد الجيش على لسان أكثر من جهة سياسية بعدما قيل في المرحلة السابقة وقبل الاجتماع الأخير للجنة الخماسية أنها ستطرح أسماء مرشحين، والأرجح يتم التوافق بين أعضائها على اسم قائد الجيش خصوصاً أن قطر تلمس خلال جولات موفديها تقاطع العديد من الفرقاء على اسمه باستثناء "التيار الوطني الحر".
وفي هذا الإطار، يتم التحضير لعقد اجتماع قريب بين وزراء خارجية الدول الممثلة في اللجنة الخماسية، لمتابعة المستجدات في لبنان، وهذا كان محور اللقاء في الديمان بين البطريرك الراعي والسفير السعودي وليد البخاري.
إذا، ثمّة رهانات ضئيلة جدا على مبادرتي لودريان وبرّي، حيث هناك من يعتبر أن لودريان يغرّد خارج سرب اللجنة التي دعت في بيانها الأخير الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية عبر الدستور، أولا وآخراً، ومن دون شروط، ملوّحة بعقوبات على كل من يعرقل العملية الانتخابية، فيما تؤكد أطراف الموالاة أنه مهما طال عمر الشغور، لن يتم انتخاب الرئيس من دون التحاور والتناقش بين كل المكونات وصولا الى الاتفاق على اسم.
هذه الوقائع، تدفع الى التساؤل: هل تنسف مبادرة بري طروحات لودريان أو هي خطوة استباقية التفافية عليها بعد الموقف السلبي للرئيس ماكرون من إيران ما دفع طهران الى سحب "البساط من تحت أقدام باريس؟". وهل يلعب القطري دور الوسيط أو يحضّر الأرضية لانجاح مبادرة لودريان من خلال تدوير الزوايا، في حين ان اسم قائد الجيش يطرح بقوة في كواليس النقاشات خصوصا أنه مدعوم قطريا وأميركيا وأعضاء اللجنة لا يعترضون عليه؟.
أحد النواب السابقين المعنيين، أكد في تصريح لموقع "وردنا" أن المؤشرات لا تدل على أن مبادرة لودريان ستنجح، والأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح. في هذا الوقت، يتواصل القطري مع كل الاطراف في لبنان دون اسقاط قضية التنقيب عن النفط من الحسبان، لكن ليس هناك حاليا من مبادرة قطرية ما، إنما هناك أرجحية كبيرة لدخول قطر على الخط وبقوة أو كلاعب اساسي في الاستحقاق الرئاسي.
أما بالنسبة لمبادرة الرئيس بري الأخيرة، وبحسب المصدر عينه، فلا يمكن القول أنه من خلالها يلتف على الطروحات الفرنسية أو يستبق خطوة لودريان المنتظرة بعد أيام، لسببين: أولا، لأن الرئيس بري دعا منذ بداية الشغور الى الحوار. ثانيا، كان الانطباع أن المبادرة الفرنسية تنتهي بتشجيع ترشيح فرنجية الذي يؤيده بري. إنها رسالة ايجابية وتشجيعية للجميع أن الحوار واجب. وفي الخلاصة، يمكن القول انه رغم الحراك الذي نشهده على الساحة الداخلية، فالنتائج غير مضمونة، والخطر كبير في ظل اضمحلال قدرة الصمود، والمؤشرات نراها على مختلف الأصعدة وعلى مستوى القطاعات كافة، وليس مستبعدا أن نصل الى حائط مسدود تفتح تداعياته الأبواب على كل السيناريوهات.
لدى النواب كل الحرية في اتخاذ الموقف المناسب خصوصا اذا تبيّن أن هناك نوعا من غش في الدعوة
بالتوازي، وفيما يستقبل البطريرك الراعي سفراء الدول المعنية بالشأن اللبناني، ومنهم السفير السعودي والسفير الفرنسي الجديد لدى لبنان إيرفيه ماغرو، بدت لافتة عظته يوم الأحد الفائت إذ يسأل كثيرون: لماذا أيّد البطريرك الراعي دعوة بري الى الحوار بعد أن كان يعتبر ان مسار الاستحقاق الرئاسي واضح في الدستور؟. وماذا يسمع من السفراء حول الاستحقاق الرئاسي؟.
أوضح مصدر كنسي من بكركي لموقع "وردنا" أن البطريرك لديه هدف أساس يتمحور حول انتخاب رئيس الجمهورية بعد 10 أشهر من الشغور، وهو يعلم من يعرقل المسار الرئاسي، ويتحدث عن ذلك في عظاته الأسبوعية. هناك فريق يريد التحاور حول الرئيس قبل الانتخاب، وهناك فريق يرفض هذا الطرح. البطريرك لا يختار بين الطرفين، ولم يقل إنه مع الحوار كيفما كان وبأي شروط، إنما قال هناك واجب دستوري على كل النواب القيام به، والذهاب الى البرلمان لانتخاب الرئيس. وإذا كان انتخاب الرئيس يتطلب التحاور بضعة أيام للتفاهم ليس على شخص الرئيس إنما على البرنامج، يكون الحوار قد حقق هدفه. وإذا لم يتم التحاور حول هذا الأمر، فلدى النواب كل الحرية في اتخاذ الموقف المناسب خصوصا اذا تبيّن أن هناك نوعا من غش في الدعوة الى الحوار، فهم ليسوا صغارا أو أولادا، فيتخذون القرار المناسب.
أما عن لقاء البطريرك مع السفير السعودي، فأشار المصدر الى أنه جرى النقاش في الاستحقاق الرئاسي، وهو يعلم جيدا ماذا يجري ومن يعرقل، وتم تبادل الآراء حول ما يمكن القيام به للخروج من هذه الأزمة أو المأزق. أما اللقاء مع السفير الفرنسي، فكان ذات طابع بروتوكولي، وعرّف السفير عن نفسه للبطريرك، وهو لديه تصورا عن الأوضاع في لبنان، ولم يحصل أي حديث في العمق، ولم يتطرقا الى الاستحقاق الرئاسي لأن السفير يريد أن يتعمق أكثر في الشأن اللبناني.