تشهد الحدود اللبنانية - السورية التي يبلغ طولها 387 كيلومتراً اذ هناك 108 نقاط تفتيش، و18 برج مراقبة، طفرة متجددة من اللجوء السوري، لكن الجيش لا يمكنه ضبط كل هذه النقاط لأن ثمانية آلاف عنصر يعتبرها قائد الجيش العماد جوزيف عون غير كافية فيما تدخل مجموعات تتراوح كل منها بين 150 إلى 200 شخص، عبر معابر غير شرعية (137 معبراً) تهربها عصابات "تهريب البشر"، تعمل كشبكة عنكبوتية على جانبي الحدود بشكل منسق. ويعلن الجيش اللبناني بشكل يومي عن إحباط تسلل سوريين الى الداخل اللبناني خصوصا عند الحدود الشمالية والبقاعية.
وفيما تحاول السلطات اللبنانية معالجة ملف النزوح المتجدد، تأتي مواقف من المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، لتزيد في "الطين بلة"، ولعل ما أعلنه الناطق الرسمي للإتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لويس ميغيل بوينو، عن أن "لا عودة للنازحين السوريين في الوقت الحالي، ويجب مساعدتهم في لبنان لأن ظروف العودة بكرامة وطوعية غير متوافرة"، يثير الاستغراب والكثير من علامات الاستفهام وسط معلومات أوردتها مصادر ديبلوماسية، كشفت أنّ المفوضية العليا للاجئين تدفع حالياً رواتب شهرية لـ850 ألف نازح مسجّلين على لوائحها، إضافة الى مساعدات سخيّة تجعل النازحين يتشبثون بالبقاء في لبنان، وهذا أمر معروف. أما ما ليس معروفاً، فهو أنّ المفوضية تعاملت مع الموجات الجديدة من النزوح غير المقيّد في اللوائح، بإعطاء النازح 10 دولارات يومياً، أي ما يعادل 300 دولار شهرياً، وما مجموعه 270 مليون دولار شهرياً يستفيد منها نحو 900 ألف نازح غير مسجل. وعندما نتحدث عن 300 دولار شهرياً ينالها النازح، معنى ذلك أنّ كثيرين ممن لا يزالون في سوريا، سيقاتلون كي يصلوا الى لبنان.
على أي حال، وبحسب مصادر حكومية لموقع "وردنا"، أن ملف النازحين يشكل اليوم نقطة تقاطع وتوافق بين كل المكونات اللبنانية، ما سيجعل الموقف اللبناني في المحافل الدولية أقوى وأمتن بعد سنوات من التشرذم والاختلاف في مقاربة الملف، وهذا ما يظهر جليا في الجلسات الحكومية التي عقدت لمناقشة الملف، وأبرزها الجلسة التي اعتبرت بمثابة قرع جرس الانذار إذ سجل قائد الجيش حينها موقف لافت كشف فيه أن 95 في المئة من السوريين الذين يدخلون الاراضي اللبنانية في المرحلة الأخيرة هم من الفئة العمرية الشبابية، مشددا على ان "التهريب عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، ولم نعد قادرين على التحمّل، وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، على رغم قلة العديد". وفي الجلسة نفسها، اقترح الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، "إعلان حالة الطوارئ في المناطق الحدودية".
إذا، يكثف المسؤولون في الداخل من مساعيهم ومبادراتهم، ويطالبون عبر المنابر الدولية وعبر اللقاءات الجانبية بتسهيل العودة لأن العواقب ستكون وخيمة ليس على لبنان فقط انما أيضا على الدول الاوروبية التي ستعجز أمام تدفق اللاجئين اليها، لكن على رأي المثل "من يأكل العصي ليس كمن يعدها" خصوصا انه وفق إحدى الدراسات، فإنه في حال يوجد من بين نحو مليوني نازح، 10 في المئة منهم فقط يملكون أسلحة، أي 40 الف شخص، فإنّه يمكن عندها تقدير حجم الخطر الذي يمثله هؤلاء. والمداهمات الأمنية لخيم في بعض المخيمات، تؤكد ان هذا التخوف في محله لأنه يتم العثور على أسلحة وأجهزة مراقبة وكاميرات بالاضافة الى المخدرات والمواد المستخدمة لصنعها.
وفي هذا السياق، عقد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي اجتماعا مع عدد من المحافظين في حضور عدد من رؤساء البلديات لمتابعة التعاميم الصادرة عن النزوح السوري، أكد خلاله أنه "لا يمكننا أن نبقى في حالة تراخٍ تجاه الوجود السوري في لبنان". في حين، أكد مصدر مقرب من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لموقع "وردنا" ان الحكومة ستعقد اجتماعات في المرحلة المقبلة، وكل جهة لديها تفاصيل عن ملف النزوح ستتم مناقشتها لاتخاذ إجراءات أكثر فاعلية وأكثر تقدما وأكثر صرامة خصوصا على المستوى الأمني لناحية ملاحقة العصابات المستفيدة من تهريب النازحين.أما بالنسبة للدول الاوروبية، فبات واضحا أنهم لا يرغبون بالتعاون، ويريدون إبقاء النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية. وهنا لا بد من التأكيد ان لبنان لن يقف مكتوف الايدي تجاه هذا الامر، وليس مستبعدا في ظل المخاطر والغليان حتى اننا أصبحنا على فوهة البركان، والتقارير الأمنية تقول اننا امام وضع أمني خطير، وهذا يتجسد في الاحتكاك اليومي بين اللبنانيين والسوريين، أن تتخذ اجراءات خارج السياق الذي تعودنا عليه بغض النظر عن الرأي الاوروبي، ومنها تسهيل الهجرة عبر البحر نحو الشواطىء الاوروبية. وبالتالي، لا بد من الاشارة الى أن هناك العديد من الخطط المطروحة غير التقليدية لمعالجة ملف النازحين السوريين مع العلم انه سيحصل التواصل مع الجانب السوري للتعاون لأن مصلحة لبنان تقتضي ذلك.
وفيما تحدث أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله عن "فكرة قابلة للنقاش بأن تسمح الدولة اللبنانية لمن يرغب من النازحين بالاتجاه إلى أوروبا، وهذا سيؤدي حتماً إلى أن تأتي الدول الأوروبية خاضعة إلى بيروت لتقول ماذا تريدون لإيقاف هذه الهجرة، وهذا ما قامت به تركيا"، يتوجس اللبنانيون من انتشار السلاح في المخيمات السورية إذ لفت مصدر أمني لـ "وردنا" الى أن المعلومات لدى الأجهزة تدل على أن السلاح بات متوافراً بكثرة لدى النازحين، وكلما زادت وتيرة المداهمات كلما كُشف عن وجود السلاح أكثر. الوضع الأمني يمر بمرحلة دقيقة وحساسة، والقوى الأمنية تضبط الاسلحة من المخيمات كما هناك علامات استفهام حول بعض الاسماء، لكن ليس هناك من معطيات تشير الى أن الوضع سيخرج عن السيطرة. والسؤال الكبير اليوم حول أهداف وجود هذا السلاح خصوصا ان البعض منه متطور وجديد. ما يعني انه بعد أن كان الخطر جراء الوضع الاجتماعي والاقتصادي، اليوم الخطر الاكبر يتمثل في الوضع الأمني.
وأكد المصدر الأمني ان القوى الامنية في ظل الواقع المعيشي، تقوم بأقصى ما يمكن، وعملية ضبط الحدود صعبة جدا حاليا، في ظل تداعي كل مقومات الدولة، لكن في حال استمرت الامور على ما هي عليه، فسنصبح أعجز من مواجهة أي تدهور أمني. الى اليوم، وفق تقاطع المعطيات ليس هناك من مؤشرات خطيرة، وليس هناك من رغبة إقليمية ودولية لتنزلق الامور في لبنان الى فوضى عارمة مع العلم ان التفلت الافرادي سيبقى قائما.