يقف البطريرك الماروني بشارة الراعي وعينه على رئاسة الجمهورية. ويظهر الخوف على الكيان بشكل واضح. ويعتبر ان انهيار الهيكل المؤسساتي سيؤدي إلى تضرّر جميع المكوّنات ولن يقتصر الأمر على المكوّن المسيحي. تبدأ المعالجة الأولى والجذرية لمسلسل الإنهيار حسب البطريركية المارونية بانتخاب رئيس إصلاحي يُعيد إلى الدولة حضورها وهيبتها وسيادتها. فمسار تساقط المؤسسات يتوالى، وأي دولة تغيب عنها المؤسسات الفاعلة ستكون عرضة للسقوط.
والخوف الأكبر هو من حدوث فراغ في قيادة الجيش. ولا يتوقف الأمر على من يشغل موقع قيادة الجيش، بل على استمرار المؤسسة العسكرية بالقيام بالواجب المطلوب منها. أشهر قليلة وتنتهي ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، وإذا لم يحصل تطوّر إيجابي يُفضي إلى إنتخاب رئيس للجمهورية، فالخطر سيكون داهماً.
وانطلاقاً من كل المخاطر المُحدقة بالوطن، منحت بكركي الضوء الأخضر بحسب صحيفة "نداء الوطن" للقادة السياسيين للتصرّف وعدم ترك قيادة الجيش تواجه الفراغ. وتطرح في هذا السياق سيناريوات عدّة أبرزها التمديد للعماد عون في حال لم يتم انتخاب رئيس. وتتمثل السيناريوات بإمكانية تأخير التسريح بقرار صادر عن وزير الدفاع أو عن مجلس الوزراء، أو بإقرار مجلس النواب قانون يجيز التمديد لقائد الجيش.
ولا ترفض بكركي خيار التمديد إذا كان الحلّ الأنسب، خصوصاً أنّ قائد الجيش أظهر مهارة في قيادة الجيش طوال فترة الأزمة ويحظى باحترام داخلي وخارجي، في حين نعيش مرحلة إستثنائية ولا يحتمل البلد أي خضة في المؤسسة الأكبر التي لا تزال "واقفة على رجليها".
في بكركي خوف من الآتي إذا لم تُحلّ أزمة إنتخاب الرئيس. فالإنهيارات المالية والإقتصادية تتمدّد، بينما يشكّل إنتخاب رئيس مفتاح الحلّ لكل الأزمات، عندها يُعيّن حاكم أصيل لمصرف لبنان ومدير عام للأمن العام وقائد جيش جديد، ويُملأ كل الشغور في مؤسسات الدولة وتبدأ مسيرة الإصلاح.
وإذا كانت حرب غزة دخلت كمعطى أمني لا يمكن تجاوزه، تتخوّف بكركي من سيناريو أسوأ هدفه هدم كل بنيان الدولة وتدمير الديموغرافيا والسيطرة على الجغرافيا، وتعلم البطريركية دور الجيش حالياً في التصدّي لموجة النزوح السوري الجديدة، فإذا حصل الفراغ في المؤسسة العسكرية وانهار الوضع، تصبح حينها الحدود سائبة وسيتدفّق عشرات آلاف النازحين السوريين ولا من رادع لهم.
أما السيناريو الأسوأ فهو الإنفلاش السوري داخل لبنان مع توارد الأخبار اليومية عن قيام الجيش بمداهمات تُسفر عن توقيف عصابات وتجار أسلحة سوريين ومسلحين، وإذا سقط الحاجز الأمني عندها قد نشهد سيناريو أبشع من سيناريو الإنفلاش الفلسطيني وسط تغلغل النازحين السوريين في كل البلدات وانتشارهم في أرجاء الوطن من دون حسيب أو رقيب.
لا ينطلق موقف بكركي مما قد يحصل في قيادة الجيش من موقف طائفي أو مذهبي أو خوف على موقع مسيحي فحسب، بل من الخوف على الكيان، فأزمة النازحين تطال جميع فئات الشعب اللبناني، وهناك موقف لبناني جامع يدعو إلى حلّها، لكنّ تحرّك الحكومة هو دون المستوى ويقتصر على بعض الإتصالات والبيانات، وأي أمر جدّي لا يحصل على الأرض.
قالت بكركي كلمتها، وهي ممنوع حصول فراغ في المؤسسة العسكرية، وعلى السياسيين إذا كانوا حريصين على البلد إيجاد المخارج القانونية اللازمة، بينما لا تزال البطريركية تراهن على حل أزمة الشغور الرئاسي قبل إنتهاء ولاية العماد جوزاف عون.
ستكون للبطريرك الماروني في الأسابيع المقبلة مواقف عالية النبرة في ما خصّ الوضع السياسي العام والشغور الرئاسي، وستتصاعد هذه المواقف في حال شعر بمخطط يقضي بإفراغ قيادة الجيش، عندها لن تسكت بكركي لأنها تعلم أننا قد وصلنا إلى الخطّ الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه، فإذا حصلت أي خضة في المؤسسة العسكرية، حينها يكون مخطط تدمير الوطن يسير على سكّته.