يؤخذ على رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي تأخره في التحرك خارجياً لدرء الاخطار عن لبنان مع اندلاع شرارة الحرب في غزة في السابع من تشرين الاول الماضي. كما أُخِذ عليه صمت حكومته حيال المواجهات القائمة بين إسرائيل و"حزب الله" في المناطق الحدودية، وصمته امام التغييب الكامل للدولة وسيادتها في الكلام الاخير للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، بحيث بدا انه الحاكم الفعلي للبلد وصاحب القرار في الحرب والسلم، من دون ان يعطي اي اشارة تعكس تنسيقاً او تفاهماً مع الدولة اللبنانية. فهل هذه المآخذ في محلها، وهل لدى ميقاتي وحكومته بصفتها الحالية كحكومة تصريف اعمال الصلاحية التنفيذية الكافية لتغيير المشهد الذي يتحكم به ويسيطر عليه كل من الحزب واسرائيل على السواء، وهل تأخر ميقاتي في اطلاق جولة مشاوراته العربية والدولية، بعدما كان مضى على اندلاع الحرب نحو ثلاثة اسابيع؟.
في اوساط السرايا مَن ينفي ان يكون رئيس الحكومة قد تأخر في تحركه، مؤكداً ان الرجل باشر بعد ساعات قليلة من بدء المواجهات، ولدى تبيّنه انها تخرج عن سياق المواجهات التقليدية، سلسلة اتصالات شملت مسؤولين اميركيين وفرنسيين، قبل ان يبدأ بطلب مواعيد لجولة عربية استهلها بقطر واستكملها بمصر والاردن، وهي الدول المعنية مباشرة بالحرب، وإنْ لم يكن لها، كما للبنان، الكلمة المؤثّرة، اذا تطورت الامور وانزلقت المنطقة نحو حرب اوسع. وكانت لميقاتي الفرصة للقاء وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن في عمّان لعرض وجهة النظر اللبنانية والاستماع الى المعطيات الاميركية حيال مخاطر تطور العمليات العسكرية واحتمالات تمددها.
اكثر ما يخشاه ميقاتي وفق صحيفة "النهار" يكمن في ارتفاع احتمالات تمدد الحرب على حظوظ تراجعها. ذلك انه بعد شهر على بدء المواجهات، فشلت كل الجهود الرامية الى الاعلان عن اتفاق لوقف اطلاق النار وإن لغايات انسانية، ما يؤشر الى ان الامور مدفوعة نحو التصعيد وليس العكس. كما ان الاعتداءات الاسرائيلية على الحدود الجنوبية خرجت عن نطاق قواعد الاشتباك لتتجاوزها وصولاً الى استهداف القوات الدولية العاملة في الجنوب، فضلاً عن استهداف مباشر للمدنيين. وهذا الامر يؤشر الى استمرار التصعيد حتى بعد موقف "حزب الله" الذي بدا انه لم يغير شيئًا في المشهد، ولم يقدم ضمانات بعدم الذهاب الى الحرب.
وبحسب اوساط السرايا، فإن ميقاتي، بتحركه، رغب في ان يؤكد على الثوابت اللبنانية الآتية: الالتزام بالقرارات الدولية ولا سيما القرار 1701، والتنسيق مع قوات "اليونيفيل" جنوباً، التأكيد على رفض لبنان الحرب على غزة، ورفض تهجير ابنائها، والمطالبة بوقف العدوان الاسرائيلي وتأمين وصول المساعدات في شكل مستدام. اما في الشأن اللبناني، فكان موقف ميقاتي داعيا الى ممارسة اقصى الضغوط على إسرائيل لمنع توسع دائرة الاعتداء، محذراً من مخاطر الانزلاق الى حرب في الاقليم.
وكشفت الاوساط ان ميقاتي سيحمل موقف لبنان الرسمي الى القمة الطارئة التي دُعي اليها السبت المقبل في الرياض والتي تنعقد على مستوى القادة لمجلس الجامعة العربية بناء على طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
في المقابل، كانت لافتة الزيارةُ الخاطفة للموفد الاميركي آموس هوكشتاين، ولقاؤه ميقاتي بعد لقاء جمعه برئيس المجلس نبيه بري. وقد كشف المسؤول الاميركي من عين التينة عن هدف زيارته بالقول ان بلاده لا تريد ان ترى تمدد الصراع في غزة نحو لبنان، داعياً الى التطبيق الكلّي للقرار. ونقلت مصادر مطلعة على اجواء المحادثات عن الموفد الاميركي انه ابلغ المسؤولين اللبنانيين مواكبة بلاده للتطورات من كثب، وحرصها على لبنان وعلى الشعب اللبناني، عاكساً جدية في التعامل مع الوضع وحرصاً على المتابعة المباشرة مع السلطات الاسرائيلية من اجل التزامها بالتهدئة وبقواعد الاشتباك. واكد هوكشتاين رفض بلاده انزلاق لبنان او انجراره الى الحرب.
يشعر ميقاتي باحتدام السباق بين الحرب الشاملة بدءاً من غزة وجنوب لبنان وصولاً الى المنطقة، وبين وقف النار الذي لا يبدو قريباً. وهذا ما لمسه عند البحث الجاري حالياً في مسألة المساعدات الانسانية والتوجه نحو اعتماد الممرات الآمنة، ما يؤشر الى ان لا وقف للنار في المدى المنظور.
ليست المآخذ على جولة ميقاتي المتأخرة في نظر البعض، في محلها، وهي تتسم بالاهمية نظرا الى انها تبقي لبنان على الرادار العربي والدولي، كما تسمح له بالاطلاع على اجواء الديبلوماسية الاقليمية والدولية المواكبة للحرب، وما يجري من استعدادات لمشاريع الهدنة والتسويات في المرحلة اللاحقة.
ولعل الاهمية الاكبر تكمن في تأكيد لبنان الرسمي، تمايزه عن موقف الحزب، بأنه لا يريد الانزلاق الى الحرب. وتعني هذه الجولة والمشاركة في قمة الرياض لاحقاً اثباتاً وإنْ في الحد الادنى المتاح لحضور الشرعية اللبنانية، ولو لرئيس حكومة مستقيلة، في ظل عدم وجود رئيس للبلاد، لا يزال التعطيل الداخلي يعوق عملية انتخابه. وليس العرب او الغرب بعيدين عن تفهّم الموقف اللبناني الرسمي المتمايز بالحد الادنى عن موقف الحزب الذي يملك الكلمة الحاسمة على ارض الجنوب، في واقع لا يمكن لأي فريق لبناني رسمي او غير رسمي تجاوزه.
لكن المشكلة التي واجهها ميقاتي في جولته هي انه لم يحظَ بأي ضمانات لتحييد لبنان عن الحرب، وان الخشية من الانزلاق اليها موجودة وقائمة، سيما وان لا أفق لوقف إطلاق النار، اقله ليس قبل قمة الرياض، اي حتى نهاية الاسبوع الجاري، مع ما يرتبه كل يوم اضافي من اخطار التوسع والانزلاق نحو المحظور.