تترقب الأوساط السياسية والشعبية في العراق، الجلسة البرلمانية المخصصة، لاستجواب القادة الأمنيين بشأن مقتل وإصابة آلاف المحتجين، خلال تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019.
ويطالب ناشطون عراقيون، بعقد جلسة عامة، أمام الملأ، لاستجواب القادة في المؤسسة العسكرية، بحضور ذوي الضحايا، للضغط باتجاه معرفة "لغز" الاغتيالات والخطف الذي شهدته البلاد خلال الفترة الماضية.
ونهاية الشهر الماضي، وجه زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، نواب كتلته البرلمانية "عراقيون" باستدعاء القادة الأمنيين للوقوف على جرائم خطف واغتيال الناشطين، وسرعان ما أعلن زعيم ائتلاف النصر، حيدر العبادي، أن ائتلافه "بالتعاون مع بقية قوى الدولة، بصدد تفعيل الاستجوابات والمساءلات البرلمانية للضغط من أجل كشف القتلة في الجرائم السياسية".
ومن جانبه، قال رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، إنه سيوافق على طلب عقد الجلسة، فور وصولها رسميا إلى مكتبه، فيما أكد إمكانية حضور قادة أمنيين، أو من الحشد الشعبي، للمساءلة تحت قبة البرلمان.
ومنذ وصول رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي، إلى منصبه في مايو 2020، أطلق حملة واسعة، وشكل عدة لجان للتحقيق في مقتل الناشطين والمتظاهرين، خلال حقبة سلفه، عادل عبدالمهدي، حيث تقدر أعداد الضحايا بآلاف الناشطين بين قتيل وجريح.
وخلال الأشهر الماضية، توصلت الأجهزة الأمنية العراقية، إلى عدد من العصابات المتورطة بقتل النشطاء، مثل الصحفي أحمد عبد الصمد، والناشط عمر فاضل، وغيرهم، فضلا عن عدد من عناصر المؤسسة العسكرية، الذين أثبتت التحقيقات تورطهم بإطلاق النار، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية، في أكثر من مناسبة.
تساؤلات ومخاوف
وأثار هذا الحراك البرلمان، تساؤلات عن حقيقته وفيما إذا كان يأتي في سياق التحشيد الانتخابي، أم استدارة فرضتها ظروف الاحتجاج، وضغط النشطاء المحليين، بالإضافة إلى التنديد الدولي المستمر، بما يتعرض له المتظاهرون على يد الميليشيات.
كما تساءل آخرون، عن قدرة البرلمان، تحقيق تقدم كبير في هذا الملف، لجهة التعقيدات التي تحيط به، والخلافات الحاصلة بين الكتل السياسية، وتضارب المواقف، وتباين الرؤى، خاصة مع وجود جهات سياسية، تابعة لفصائل مسلحة، وترفض على الدوام توجيه أي اتهام لها، كما حصل في قضية اعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح.
الناشط في الاحتجاجات العراقية محمود أحمد، قال لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "الكتل السياسية، سكتت خلال الفترة الماضية، عن القتل والاختطاف والتنكيل الحاصل بنشطاء الاحتجاجات، لكنها اليوم مع حلول الموسم الانتخابي، تذكرت وجود أكثر من 600 قتيل، وأكثر من 25 ألف جريح، حتى تبدأ هذا الحراك للدفاع عنهم، ما يؤكد وجود استغلال لهذا الملف الحساس في الدعايات الانتخابية، خاصة وأن مسألة الاستجوابات معقدة، وبحاجة إلى إعداد وتنظيم، وتحديد الجهات المقصرة، وترتيب المحاور، ثم استحصال موافقة رئاسة البرلمان، بها، لإتمامها".
ويضيف الناشط العراقي، أن "المحتجين لم يقفوا بوجه الكتل السياسية، بل رحبنا بهذا الحراك المتأخر، وسنكون داعمين، لأي مسار مشابه، وهو متوقع، إذ أن ضغط المجتمع الدولي والعربي، انعكس سريعا على السلوك السياسي في الداخل، ورأينا البرلمان يتقدم خطوة نحو الإمام".
وتحرك عدد كبير من الناشطين والمدونين العراقيين في الأيام الأخيرة، سواء عبر الوقفات الاحتجاجية أو من خلال إطلاق حملات مطالَبة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، للمطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين.
وفُهمت تغريدة نشرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، أمس، على أنها تصب في سياق الدعم لحملة العراقيين المطالبة بالقصاص، حيث قال: "عندما يفلت أصحاب النفوذ بفسادهم، يفقد الناس الثقة في مؤسساتهم الحاكمة، وتضعف الديمقراطيات بسبب السخرية واليأس".
وأضاف: "يعد إنهاء الإفلات من العقاب خطوة أساسية نحو عقد اجتماعي جديد يقوم على الثقة والنزاهة والعدالة".
مسار طويل
ويرى النائب في البرلمان العراقي، عن اللجنة القانونية، صائب خدر، أن "البرلمان هو انعكاس لبيئة المجتمع، وبيئة الشارع ومتطلباته، إذ يجب أن يعبّر عن طموحاته، وما يطرحه من مطالب، وهو ما يحتّم على جميع البرلمانيين الانضواء تحت هذا الحراك لتحقيق تقدم في هذا الملف الصعب".
ويشير النائب العراقي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "الكشف عن قتلة المتظاهرين، سيكرّس دولة القانون، فالدول الحقيقية هي من تحمي مواطنيها".
وبشأن إمكانية تحقيق تقدم في هذا الملف يؤكد خدر، أن "أي تحرك في المسار، سيؤثر وإن كان بنسبة قليلة، لكنه سيكون خطوة أولى نحو مسار طويل، على أن تتبعه خطوات أخرى، فصعوبة الأشياء أحيانا تكمن في بداياتها، لكنها عقب ذلك، تصبح شيئا طبيعيا".
ويرصد مراقبون للشأن العراقي، تحولا في خطاب الاحتجاجات الشعبية، بشأن قتلة المتظاهرين، وهو ما تحول سريعا إلى خطاب سياسي سائد، تفاعل معه المجتمع الدولي بشكل سريع، حيث أصدرت بعثة الأمم المتحدة في العراق مؤخرا تقرير متكاملا عن عمليات القتل التي شهدتها البلاد، خلال فترة التظاهرات.
ويعطي هذا التحول، دفعة لحكومة الكاظمي، نحو استكمال التحقيقات التي تجريها، بالتوازي مع الحراك في البرلمان العراقي، وهو ما يضيق الخناق على المجموعات المسلحة، والمتورطين بأعمال قتل.
سكاي نيوز