أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في كلمه له خلال المؤتمر العالمي للاجئين، إلى "أنّنا نشهد الأزمة الإنسانية المستمرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، والتهديد بتهجيرهم، ممّا يضعنا أمام تحد مزدوج يتمثل في البحث العملي في معالجة موضوع النزوح السوري، المفتوح منذ العام 2011، والبحث في الملف المستجد المرتبط بالوضع في غزة".
وقال ميقاتي "إنّ الواجب يفرض علينا العمل لوقف ما يجري هناك من قتل وتدمير ممنهج لم يشهد له التاريخ مثيلاً. وهنا اتوجه بالتحية الى الدول الـ153 التي أيدت بالأمس القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحماية المدنيين ووقف العمليات الحرببة في غزة. إنّنا، إذ نكرر دعمنا الثابت للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، نطالب المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية لوقف العنف وضمان حماية المدنيين، والعمل على التوصل إلى حل عادل ودائم، يحترم حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته، ويضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وفق القانون الدولي".
وتابع: "إنّ لبنان، الذي يستضيف الاف الإخوة الفلسطينيين منذ بداية محنة تهجيرهم قبل 75 عامًا، ودفع اثمانًا باهظة دفاعًا عن القضية الفلسطينية، ويتشاطر مع الإخوة الفلسطينيين الإمكانات القليلة المتاحة لديه، ينادي بأولوية العمل على حل هذا الصراع لكونه مفتاح الحل لكل أزمات المنطقة. أمّا استمرار الصراع، من دون حلّ، فمن شأنّه أن يدخل المنطقة في أزمات متتالية لا يمكن توقع نتائجها وانعكاساتها".
وجدّد ميقاتي المطالبة بـ"وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، والذي أدّى الى سقوط مئات الشهداء والجرحى، وإلى خسائر مباشرة وغير مباشرة تركت انعكاسات سلبية على الإقتصاد الوطني الرازح اصلا تحت أعباء هائلة، من بينها ضغط وجود ملايين النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، بما يفوق قدرة اي بلد على التحمّل".
وأضاف: "لقد مر ثلاثة عشر عامًا على بدء الأزمة السورية، وما تركته من انعكاسات مباشرة على لبنان، أبرزها وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري على أرضنا، وارتفاع هائل في اعداد الولادات. إنّ التحديات التي نواجهها جراء هذا النزوح، تتجاوز الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، لتطال الأمن المجتمعي، واهتزاز التركيبة الديمغرافية الحساسة لجهة تجاوز عدد الولادات السورية الولادات اللبنانية وارتفاع نسبة الجريمة واكتظاظ السجون، بما يفوق قدرات السلطات اللبنانية على التحمل. كذلك أدّى التنافس على فرص العمل المحدودة الى زيادة التوترات والحوادث الأمنية".
واعتبر ميقاتي أنّ "ما يشغل بالنا هو الدفق الجديد من موجات النزوح السوري عبر ممرات غير شرعية لدواع اقتصادية بغالبيتها. وما يبعث على القلق أنّ أكثرية النازحين الجدد هم من فئة الشباب، فيما الجيش والقوى الأمنية يجهدون مشكورين لمنع قوافل النزوح غير المبرر، والذي يهدد استقلاليتنا الكيانية ويفرض خللاً حادًا ويضرب عن قصد او بغير قصد التركيبة اللبنانية".
وأضاف: "ليست المرة الأولى التي نعرض فيها هذا الواقع أمامكم، فمنذ سنوات وتحن نحذر من التداعيات السلبية لهذا النزوح، ليس على لبنان فقط، بل على كل الدول ولا سيما الاوروبية ونحن نشهد موجات الهجرة غير الشرعية الى الدول الاوروبية، رغم الاجراءات المتخذة، وهذه الموجات ستزداد حتما وستشكل قنابل موقوتة في اوروبا اذا لم تعالج اسبابها الفعلية".
وقال ميقاتي: "يختلف اللبنانيون على الكثير من الملفات ولكنهم متحدون صوتا واحدا على مطالبة المجتمع الدولي بحل قضية النازحين وعدم الضغط على لبنان لابقائهم على أرضه، ولقد اظهر التقرير السنوي الذي اعده البنك الدولي، وسينشر في غضون ايام ان كلفة النزوح السوري على لبنان منذ بداية الحرب السورية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. فهل من المقبول أن يبقى العالم متفرجا على وطن ينوء تحت اعباء فرضت عليه فرضا ولا قدرة له على تحمّلها، وعلينا جميعا أن نتشارك مع المجتمع الدولي من اجل حل مستدام لهذا التحدي".
ولفت إلى أنّ "اللبنانيين يرفضون أن يبقى هذا الجرح نازفا في خاصرتهم ومن حقهم أن يتخذوا الاجراءات التي يرونها مناسبة لحماية وطنهم وأنفسهم، وهذه الخطوات تبدأ بعودة النازحين السوريين الى بلادهم وتوقف المنظمات الدولية عن اغرائهم للبقاء في وطننا. فليتوجه الاهتمام الدولي بالنازحين نحو اعادتهم الى المناطق المستقرة في سوريا، ولتقدم لهم المساعدات في وطنهم. وبالتوازي فالمطلوب العمل على وضع خطة شاملة تعالج الأسباب الجذرية للأزمة السورية وتضمن العودة الآمنة والطوعية للاجئين إلى وطنهم. ويجب أن تعطي هذه الخطة أيضًا الأولوية لدعم وإعادة إدماج اللاجئين السوريين في سوريا".
وتابع: "في هذا الاطار، ولان الهجرة الجديدة التي يشهدها لبنان اقتصادية الابعاد، مما يضيف اعباء جديدة على لبنان، فاننا نقترح اعتماد تصنيف علمي يميز بين العمال السوريين والمهجرين كلاجئين، ووضع آلية وطنية لتحديد الوضعية القانونية لكل نازح سوري في لبنان، إلزام أصحاب العمل في القطاع الخاص بالالتزام بشروط توظيف العمال السوريين بطريقة تقلل من المنافسة مع الكفاءات اللبنانية، كما نقترح تحديد فئات السوريين المهجرين التي يمكن تسهيل عودتهم، ووضع جدولة زمنية لعودتهم، مع ضمان تطبيق الضمانات القانونية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية".
وأشار ميقاتي إلى أنّ "هذه الخطوات تنبع من الرؤية الوطنية للحكومة ومعظم القوى السياسية اللبنانية، بالإضافة إلى المتطلبات المستندة الى مصالح الشعبين اللبناني والسوري، وإعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان الذي نحرص على الالتزام به.وهنا لا بد من ان نحيي ونثمن الجهد الكبير الذي يقوم به مفوض الامم المتحدة لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي، فله منا اطيب تحية وكل احترام".
وشدّد على أنّه "لم يعد باستطاعة لبنان أن يتحمل هذا العبء بمفرده، وعلى الجميع تحمّل مسؤوليتهم في هذا الملف ، وهم في الاصل شركاء في المسؤولية عن وصوله الى هذا الوضع الذي نرزح تحته. وكل الكلام عن الاعتبارات الانسانية وحقوق الانسان للتهرب من المسؤولية والقائها على عاتق اللبنانيين حصرا بات ممجوجا. والسؤال الذي من حقنا المجاهرة له، هل تعيبون علينا اننا نطالب بعودة شعب الى ارضه ليعيش بكرامته، فيما يتم التغاضي عن جريمة موصوفة تهدف الى اقتلاع شعب من ارضه وقتله وتهجيره؟، أين المعايير الانسانية المتوازنة في تعاطي المجتمع الدولي مع القضيتين؟".
وختم: "تبقى كلمة أخيرة اتوجه بها اليكم. قدرنا أن نتشارك واياكم تحدي معالجة النزوح، وندائي لكم أن تضعوا هذا الامر في سلم الاولويات، لأنّنا بتنا على شفير الانهيار الكلي، ولن نبقى مكتوفي الأيدي ونتلقى الأزمات المتتالية وأن يعتبرنا البعض مشاريع اوطان بديلة، بل سننقذ وطننا وسنحصّن انفسنا لأنّنا أصحاب الحق أولا وأخيرًا في العيش بوطننا بعزة وكرامة. وشكرًا".