تعاون وتكاتف دول العالم الغنية والفقيرة فيما بينها هو السبيل الوحيد للنهوض بالاقتصاد العالمي الذي يواجه وضعا صعبا منذ بداية جائحة كورونا؛ هذا أبرز ما اتفق عليه المشاركون في الجلسة الافتتاحية لمنتدى قطر الاقتصادي، الذي يعقد عبر تقنية الاتصال المرئي، ويستمر 3 أيام، تحت شعار "إعادة تصوّر العالم".
ونوه المشاركون في الجلسة الافتتاحية للمنتدى -الذي يعقد بالتعاون مع بلومبيرغ- بأهمية تحقيق العدالة في ما يتعلق بتوفير لقاحات فيروس كورونا بين الدول، من أجل التغلب على الوباء وإنهاء الإجراءات التي تؤثر على الاقتصاد وحركة التجارة بين الدول.
ويشارك في النسخة الأولى للمنتدى، الذي انطلق الاثنين ويستمر لمدة 3 أيام، العديد من قادة الدول ورؤساء الحكومات، من بينهم رئيس غانا نانا أكوفو، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الرواندي بول كاجامي، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس السنغالي ماكي سال، والرئيس الأرميني أرمين سركيسيان، فضلا عن أكثر من 100 متحدث من جميع أنحاء العالم.
ويستضيف المنتدى نخبة عالمية تضم أكثر من ألفي شخص من رؤساء تنفيذيين، وشخصيات ملهمة، وصناع قرار في مجالات التمويل والاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا والطاقة والتعليم والرياضة والمناخ.
أفريقيا وكورونا
وأكد رئيس جنوب أفريقيا خلال الجلسة أن حالة التعافي التي شهدها عدد من دول القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية تتراجع حاليا جراء جائحة كورونا، مشددا على أن القارة الأفريقية بحاجة للمساعدة العاجلة، خاصة تلك الدول التي تعيش ظروفا صعبة، ولا تستطيع اقتصاداتها الصمود في مواجهة تداعيات الوباء.
رئيس جنوب أفريقيا أثناء إلقاء كلمته أمام منتدى قطر الاقتصادي (الجزيرة)
ولفت رامافوزا إلى أن أفريقيا بحاجة إلى نحو 400 مليار دولار من أجل دعم اقتصادها، مضيفا أنه في حالة قيام الدول الكبرى والهيئات الدولية بإلغاء أجزاء من ديونها المستحقة على أفريقيا، بالإضافة إلى توفير المنح والقروض ودعم مشاريع البنى التحتية؛ فإن القارة الأفريقية بإمكانها الوقوف على قدميها.
كما أشار إلى أن الاقتصادات الكبرى في العالم عليها مسؤولية خاصة إزاء قارة أفريقيا، التي تعاني بشدة من آثار التغير المناخي التي تسببت فيه الدول المتقدمة، داعيا هذه الدول إلى الوفاء بالوعود التي قطعتها لحل مشكلة التغير المناخي، والمسارعة إلى إيجاد مقاربة حول أزمة تغير المناخ، خاصة أن هناك العديد من الدول الأفريقية التي تعيش آثارا تدميرية جراء هذه الأزمة.
وتطرق رئيس جنوب أفريقيا في كلمته إلى رفض بعض الكيانات والشركات العالمية التخلي عن براءات الاختراع لإنتاج لقاحات كورونا، معتبرا أن هذا الرفض نوع من "عدم الإنصاف" والظلم، خاصة للدول الفقيرة التي تتضرر كثيرا بسبب جائحة كورونا.
أما رئيس جمهورية أرمينيا فقد دعا إلى ضرورة تنفيذ إصلاحات اقتصادية سريعة، وبدء استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من أجل المساهمة في التنمية ببلاده.
وأضاف "نسخر كل الكفاءات والإمكانات الأرمينية من أجل التنمية وتطوير ونهضة بلادنا، خاصة في ظل ما يشهده العالم من أوضاع اقتصادية صعبة جراء جائحة كورونا"، مؤكدا أنه يجب الاستعانة بالكفاءات الأرمينية في الخارج من أجل دعم اقتصاد بلادهم والنهوض بها على مختلف المستويات.
وخلال الجلسة، تطرق الرئيس الأرميني إلى النزاع بين بلاده وأذربيجان، وأكد أنه يجب طي صفحة الماضي وتجنب نشوب أي حرب جديدة في منطقة القوقاز، معتبرا أن النزاع بين البلدين كان يجب حله عبر الحوار والتفاوض باعتباره السلاح الأكبر في يد الإنسانية، وأن عدم حل النزاع بين البلدين عبر الحوار هو فشل لأرمينيا وأذربيجان، وأيضا فشل للمجتمع الدولي.
المستثمر الهندي موكيش إمباني أكد أن جائحة كورونا خلقت أزمة غير مسبوقة (الجزيرة)
أزمة غير مسبوقة
أما المستثمر الهندي ورئيس شركة "ريلاينس للصناعات المحدودة" موكيش إمباني فقد أوضح أن جائحة كورونا خلقت أزمة غير مسبوقة عالميا، خاصة في المجال الاقتصادي، مؤكدا أنه رغم هذه الأزمة فقد "رأينا تضامنا غير مسبوق من الشعوب فيما بينها من أجل تقديم المساعدة"، لافتا إلى أن دولة قطر كانت خير مثال على ذلك عندما بادرت بتقديم المساعدات الطبية والإغاثية لبلاده.
وأكد أن المرحلة الحالية التي يعيشها الاقتصاد العالمي تتطلب التكاتف والتعاون حتى يمكن تجاوز هذه الأزمة، داعيا إلى ضرورة إنهاء الجدل حول توفير لقاحات كورونا، ومساعدة الدول الفقيرة من أجل عودة الاقتصاد واستئناف النمو.
وفي ما يتعلق بالتكنولوجيا الرقمية، أكد إمباني أنه يجب تخفيف الهوة بين البلدان التي يتفاوت فيها الاعتماد على التكنولوجيا، مشيرا إلى أهميتها في العمل عن بعد والتعليم وغيرها، وأن هذا الاتجاه الجديد نحو الاعتماد على التكنولوجيا سيضمن تقديم خدمات صحية وتعليمية جيدة.
الإقتصاد الأميركي
وخلال المنتدى أيضا، عُقدت جلسة ناقشت التطورات التي تحدث حاليا في الاقتصاد الأميركي جراء أزمة كورونا، شارك فيها وزير الخزانة الأميركي الأسبق لورانس سامرز، ورجل الأعمال الأميركي ومؤسس شركة "بريدج ووتر أسوشيتس" راي داليو، واتفق المشاركان على أن ارتفاع نسبة التضخم ونقص العمالة في السوق الأميركي ومحاولة عرض سندات بشكل متسارع والتذبذب في سعر الدولار؛ تنذر بأزمة كبيرة لن تضر الولايات المتحدة وحدها بل العالم أجمع.
ودعا وزير الخزانة الأسبق في مداخلته إلى ضرورة إحداث تغييرات كبيرة في سوق العمل من أجل استيعاب معدلات عمالة كبيرة، مع رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين ظروف العمل، كخطوة أولى للقضاء على نسبة التضخم المرتفعة في الاقتصاد، مشيرا إلى أن السيولة تشكل تهديدا كبيرا للاقتصاد الأميركي، ولا بد من عمل برنامج ممنهج للعرض والطلب وزيادة معدلات الضريبة وتقليل معدلات تحويل النقد.
أما داليو فأكد أن الإقبال على شراء السندات الأميركية في ظل عدم وجود طلب كافٍ في باقي دول العالم يجعل الاحتياطي الفدرالي غير قادر على الارتداد ورفع معدلات الفائدة، وهذه مسألة مالية مقلقة للغاية.
واعتبر داليو أن هناك تهديدا كبيرا لقيمة الدولار؛ الأمر الذي يؤثر على كافة دول العالم، بالإضافة إلى أن الزيادة في معدلات الفائدة سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد والسوق، داعيا الاحتياطي الفدرالي إلى القيام بشراء الكثير من السندات لمنع انخفاض الفائدة.
الجزيرة