أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، انتهاء الاجتماع الرابع، الأخير، من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا، الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بإعداد الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد في ظرف 4 أشهر.
وتحدث البيان عن "تعنت الجانب الإثيوبي ضد مطالب دولتي المصب، مصر والسودان"، حيث أكدت القاهرة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، مع احتفاظها بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر.
ومن جانبها، قالت الخارجية الإثيوبية، إن القاهرة "حرفت" مواقف أديس أبابا في المحادثات، مضيفة أن مصر لا تزال لديها "عقلية العصر الاستعماري ووضعت حواجز أمام جهود التقارب".
وأفاد بيان وزارة الخارجية الإثيوبية بأن "إثيوبيا تظل ملتزمة بالتوصل إلى تسوية ودية عن طريق التفاوض تلبي مصالح الدول الثلاث، وتتطلع إلى استئناف المفاوضات".
ولطالما عارضت مصر مشروع سد النهضة بسبب المخاوف المتعلقة بإمداداتها المستقبلية من المياه من نهر النيل الذي تعتمد عليه اعتمادا كبيرا، وقد عبر السودان أيضا عن قلقه إزاء تنظيم وسلامة إمدادات المياه والسدود الخاصة به.
ومن جانبها ذكرت إثيوبيا، التي تقول إنها تمارس حقها في التنمية الاقتصادية، في أيلول/ سبتمبر أنها أكملت المرحلة النهائية لملء خزان لمحطة ضخمة للطاقة الكهرومائية عند السد المقام على النيل الأزرق.
ويرى وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن "أثيوبيا تريد استغلال وجود السد لإعادة توزيع حصص مياه النيل كما كانت تخطط في اتفاقية عنتيبي التي رفضتها مصر والسودان".
وتكمن المشكلة في أن "مصر لا تملك رفاهية نقص ولو نقطة مياه واحدة، لأن نصيب الفرد في مصر 500 متر مكعب من المياه سنويا (50% من الحد الأدنى للفقر المائي)، وتعاني فجوة غذائية مقدارها 10 مليار دولار سنويا".
ويشير إلى أن مصر أنشأت وحدات تحلية للشرب بسعة تزيد عن نصف مليار متر مكعب سنويا حتى الآن، كما تعالج القاهرة مياه الصرف الصحي والزراعي لاستخدامها في الري للتغلب على "شح المياه".
وتحدث الوزير السابق عن مخالفة إثيوبيا للقوانين الدولية فيما يتعلق ببناء هذا السد، قائلا إن "عند بناء أي دولة لمشروع على نهر دولي مشترك فعليها القيام بعدة خطوات".
وتتمثل تلك الخطوات في "الإخطار المسبق لدول الجوار عن المشروع وأهدافه، وإعداد دراسات بيئية عن تأثير المشروع على دول الجوار لضمان عدم الإضرار الملموس بهم، وضرورة موافقة دول الجوار على المشروع بعد أي تعديلات مؤثرة"، وفق الوزير المصري الأسبق.
"وهذا ما لم تفعله أديس أبابا، لكنها قامت بتصميم السد بدون الرجوع للقاهرة والخرطوم، رغم أنه في بداية التفاوض بين إثيوبيا ومصر والسودان تم التوصل لإعلان مبادئ تم الاتفاق فيه على ضرورة توافق الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل التي لا تسبب ضررا لدولتي المصب"، حسبما يضيف.
لكن على جانب آخر، يرى النائب البرلماني الإثيوبي، محمد العروسي، أن "البيان المصري استباقي ويعبر عن يأس غير مبرر".
وتحاول مصر "استجداء التدخل الدولي بطريقة غير مباشرة"، وهو ما لا تقلبه إثيوبيا، والقاهرة "متمسكة ومصرة على اتفاقيات من الحقبة الاستعمارية وتحاول فرضها على لجان التفاوض".
وتعتبر مصر والسودان السد الذي كلف 4,2 مليارات دولار، تهديدا لإمداداتهما من المياه، وقد طلبتا مرارا من أديس أبابا التوقف عن ملئه إلى حين التوصل لاتفاق بشأن سبل تشغيله.
واستؤنفت المفاوضات بين الدول الثلاث في 27 آب/ أغسطس بعدما توقفت منذ نيسان/ أبريل 2021.
ما الموقف السوداني؟
تعتبر القاهرة سد النهضة "تهديدا وجوديا" لأنه يعتمد على نهر النيل في 97 في المئة من احتياجاته المائية، أما الخرطوم، فقد تباين موقفها في السنوات الأخيرة، ولم تصدر الجهات السودانية المختصة تعليقا على " انتهاء المفاوضات".
لكن الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، يشير إلى أن "الخلاف بين السودان ومصر وإثيوبيا" حول سد النهضة قد خرج من "العباءة الفنية إلى السياسية".
ومنذ جولات التفاوض الأولى كان موقف السودان "قريب من الموقف المصري"، ويطالب بـ"اتفاق ملزم وتبادل المعلومات بشأن سد النهضة"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويشير إلى أن "الموقف السوداني الرسمي الحالي يقف بجانب مصر، تنفيذا لمبدأ (لا ضرر ولا ضرار) لكن إثيوبيا (لا تلتفت لذلك)".
ما الخيارات المطروحة؟
سد النهضة في قلب خطط التنمية في إثيوبيا، وفي شباط/ فبراير 2022 أعلنت أديس أبابا أنها بدأت توليد الكهرباء للمرة الأولى، وقد بلغت تكلفته أكثر من 3,7 مليارات دولار، ويدخل في صلب صراع إقليمي منذ أن بدأت إثيوبيا العمل فيه في العام 2011.
ومن خلال هذا السد الكبير، الذي يبلغ طوله 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا، تعتزم إثيوبيا مضاعفة إنتاجها من الكهرباء، التي لا يصل إليها سوى نصف سكّانها البالغ عددهم حوالي 120 مليون نسمة.
لكن تقديرات الأمم المتحدة تفيد بأن "المياه قد تنفد في مصر بحلول عام 2025" وبأن مناطق في السودان حيث كان النزاع في دارفور مرتبطا بشكل أساسي بإمدادات المياه، معرضة بشكل متزايد للجفاف بسبب تغير المناخ".
ويمكن لمصر أن تستغل الرفض الإثيوبي لتقديم أي تنازلات وبالتالي لجوئها إلى المادة 51 وتحديدا الفصل السابع والخاص بحق الدفاع الشرعي من القانون الدولي.
ويتعلق الفصل السابع من "ميثاق الأمم المتحدة"، بما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.
وتنص المادة 51 على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء (الأمم المتحدة)".
وحسب نص المادة "يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".