موظفون في القطاع العام في لبنان..

صورة من لبنان - الحرة

منذ أكثر من سنة، والإدارات العامة في لبنان تعاني من نقص كبير في التجهيزات والمستلزمات، وذلك وسط استمرار الأزمة المالية والاقتصادية التي تضرب البلاد منذ أكثر من سنتين.

وحين بدأت احتجاجات 17 أكتوبر 2019، لم يكن من الواضح لدى كثيرين حجم الاهتراء في مؤسسات الدولة، إلا أن الأمور تكشفت بسرعة، وما كان قبل الاحتجاجات أمرا ليس في الحسبان، صار واقعا لا يُمكن إلا الوقوف عنده.

كُل إدارات الدولة اليوم تقريبا تأثرت بما حصل منذ أواخر عام 2019 وهو ما أثر أيضاً على موظفي القطاع العام بشكل مباشر الذين بدأوا يبحثون عن وسيلة للخروج وهذا حال كُثر، إمّا يحاولون الصمود بالحد الأدنى المتوفر لديهم، بساعات عمل أقل، وأداء وظيفي يكاد يكون معدوما في بعض الدوائر.

تقول ريتا وهي مخلصة معاملات في السجل العقاري: "المعاملة التي كانت تأخذ يوما واحدا لإنجازها، أصبحت اليوم تأخذ 10 أيام إن لم يكن أكثر. لا أوراق لا طوابع لا بريد. حتى الموظفين اليوم صاروا يطلبون أكثر لقاء عملهم، إذ يقولون دائما إن كُل شيء صار باهض الثمن وبالتالي صارت المعاملة التي كانت بحاجة إلى 200 ألف ليرة لتكون جاهزة في غضون يومين، تأخذ نصف شهر وشهر لقاء ما يوازي مليون ليرة".

ويتعذر على مؤسسات الدولة تأمين العديد من المستلزمات لعمل الدوائر التابعة لها لا سيما من ناحية القرطاسية والأوراق، فضلا عن استحالة تأمين الصيانة للمكاتب والمولدات وللسيارات التي تُستعمل في الوزارات وكُل ذلك بسبب امتناع مزودي الخدمات عن التعامل مع أي شيء له علاقة بالدولة كونها لا تدفع إلا بالليرة اللبنانية.

حجة الدولار أينما كان، ولكن فعلياً دوائر الدولة ليس فيها أوراق. على سبيل المثال، من يريد أن يستحصل على إخراج قيد جديد، يتوجه إلى دائرة النفوس ليتبين في غالبيتها أنه لا يوجد أوراق ولا حبر لإنجاز المعاملة، وبالتالي اتُخذ القرار بختم "إخراجات القيد" القديمة لكي يستطيع من يريد تخليص معاملته أن يفعل ذلك من دون الحاجة إلى واحد جديد. ما هو حاصل في بيانات القيد، ينطبق على كل المعاملات الإدارية في كل الدوائر.

هذا الجو ينعكس على الموظفين في هذا القطاع، من أي فئة كانوا. يقول سعيد (اسم مستعار) وهو موظف فئة ثانية في وزارة الطاقة رفض الكشف عن اسمه كونه من غير المسموح له التصريح للإعلام: "كُل المؤسسات التي توفر لنا المستلزمات الضرورية للمكاتب لا تتعامل معنا هذه الأيام. يقولون إنهم يدفعون بالدولار ولا يمكن أن يقبضوا بالليرة خاصة أن الدفع يتأخر لشهرين بسبب المعاملات الرسمية وبالتالي في هذا الوقت قد تتضاعف قيمة الدولار".

يروي سعيد: "اليوم راتب موظف فئة ثانية أو ثالثة يصل بأحسن الأحوال إلى 3 ملايين ونصف. يعني لا يكفيه خمسة أيام إذا مجرد ما احتسبنا أن اشتراك مولد الكهرباء يبلغ مليون ليرة وسعر صفيحة البنزين صار يُقارب المئة ألف".

"دوام العمل في وزارة الطاقة اليوم يبدأ الساعة الثامنة صباحاً لغاية الساعة الحادي عشرة"، لماذا؟ يقول سعيد: "المولدات التي تغذي الوزارة بالطاقة تعمل لثلاث ساعات وبالتالي بعدها لا كهرباء، فتحول الدوام الوظيفي لثلاث ساعات يوميا هذا ما عدا المداورة أيضاً التي بدأت بسبب كورونا ومستمرة إلى اليوم".

وكانت قررت الحكومة اللبنانية ونتيجة للظروف التي مر بها العالم بسبب جائحة كورونا أن تعتمد نظام المداورة للتخفيف من الاختلاط في الوزارات والمؤسسات العامة تطبيقاً للتباعد الاجتماعي وفي محاولة للتخفيف من انتقال العدوى، إلا أن هذا النظام لا يزال يُطبق اليوم ولكن لم تعد كورونا هي السبب المباشر بل الأزمة الاقتصادية.

هل من حلول وما الذي يأمله؟ يجيب سعيد: "أنا اليوم أعاني لأصل إلى إلى مكان عملي. لا وقود وإن توفر فهو أصبح باهض الثمن. الطبابة لم تعد متوفرة، التعاونيات لا تغطي لأن المستشفيات أوقفت التعامل معها. تغطية المدارس التي كانت تبلغ مليوني ليرة لم تعد ذات قيمة. أنا أبحث عن عمل خارج القطاع العام، في لبنان أو خارجه. أريد الخروج بأي طريقة".

وكان صدر قرار عن الدولة اللبنانية وضمنته في موازنة عام 2019 يمنع موظفي الدولة من الاستقالة، وإن فعلوا فإن ذلك يعني تخليهم عن تعويضهم والراتب التقاعدي الذي يتحصلون عليه، ويبقى هذا القرار ساري المفعول حتى عام 2022، بمعنى أوضح تم تجميد طلبات نهاية الخدمة بشكل كامل.

يقول رئيس دائرة التعليم الأساسي في وزارة التربية هادي زلزلي: "الظروف صعبة. المناقصات متوقفة ولا أحد بوارد التعامل مع مؤسسات الدولة. ولا اعتمادات تُفتح، فيما كُل شيء بحاجة لصيانة وفي الوقت نفسه ليس هناك من صيانة. هذا هو الحال اليوم في مؤسسات الدولة التي تعاني كثيراً نتيجة الظروف الاقتصادية التي يمر بها لبنان".

يضيف في حديث لموقع "الحرة": "اليوم كُثر من موظفي القطاع العام يبحثون عن عمل. هناك من قدم إجازات خاصة وإجازات من دون راتب، فضلاً عن طلبات الاستيداع الكثيرة والتي ارتفعت مؤخراً إذ غالبية الموظفين يسافرون عند أقاربهم لفترة تصل لعدة أشهر في محاولة للعثور على عمل، وبعضهم سبق ووجدوا فعلياً فرصة عمل فرحلوا".

هذا النزوح سيسبب نقصا كبيرا في الإدارات العامة، يقول زلزلي: "إذا أخذنا وزارة التربية مثلا والقطاع التعليمي، نحن منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب توقف التوظيف في القطاع العام وبالتالي كُل من خرج على التقاعد اليوم لم يُعيّن له بديل وبالتالي نحن أمام نقص كبير يُضاف إليه ما يعانيه الموظف وكُل هذا يؤثر كثيرا على القطاع والعاملين فيه، خاصة حين ننتهي من نظام المناوبة وعودة العام الدراسي".

وتتكتم المؤسسات الرسمية حول الرقم الفعلي لمن غادر القطاع العام، مع تسجيل حالات انقطاع عن العمل من دون أي إجراء مسلكي يُتخذ بحق المخالفين. يروي إيهاب وهو عنصر في قوى الأمن إنه "منذ بدء الأزمة صار الالتزام قليل وهنا لابد من تسجيل تفهم واضح لدى المسؤولين لهذا الأمر"، ويقول: "هناك برقيات تأتي كُل يوم إلى المركز حيث أقدم فحواها بأن لا تضغطوا الجنود كثيرا، اطلبوا منهم الحد الأدنى الذي يسمح باستمرار العمل فقط".

تقول المدير العام السابق لوزارة الاقتصاد عالية عباس في حديث لموقع "الحرة": "اليوم في الإدارات العامة، ليس هناك من دوام، ومداورة بسبب كورونا ومن ثم الوضع الاقتصادي. الرواتب صارت توازي لا شيء مقارنة بالغلاء الحاصل. الوضع النفسي للموظف في أسوأ أحواله. بالطبع الأمور ليست على ما يرام ولا بصيص أمل بأن هناك شيئاً ما سيتغيّر".

تُضيف: "اليوم إذا أردت أن أنهي معاملة، فهي تستغرق ما لا يقل عن شهر. هنا أتحدث عن نفسي وأنا أعرف الوزارات وطريقة العمل ولكن ما بالك بالموظف العادي. ماذا يفعل في هذه الحالة، كيف يستطيع أن ينجز أموره". تروي عباس تجربتها في وزارة الاقتصاد والمكننة والأرشيف والإرشاد وكُل ما قاموا به هناك، لكن "اليوم كُل هذا الجهد ذهب بمهب الريح بسبب الأزمة".

"إدارات الدولة بحاجة لإصلاح حتى قبل الأزمة. اليوم انهار كُل شيء. كُل شيء". تختم عباس.

الحرة

يقرأون الآن