تنطلق اللجنة الجماسية بمحاولة جديدة - قديمة، لنزع الألغام المزروعة في طريق الاستحقاق الرئاسي، وتشذيب اشجار الشروط والتعطيل واستيلاد حلّ يأتي بكلّ الأطراف الى قاعة الانتخاب. والمحطة الاساس في عين التينة اليوم، حيث تتجلى في لقاء سفراء دول الخماسية في لبنان برئيس مجلس النوّاب نبيه بري.
هذا اللقاء، وعلى ما تؤكد مصادر مواكبة لحراك الخماسية لـ"الجمهورية"، يشكّل بداية رسمية لحراك "الخماسية" الذي سيَستتبعه بعد ايام قليلة موفد اللجنة جان ايف لودريان في بيروت، حيث سيعرض السفراء العناوين العريضة التي تَوافقوا عليها في اجتماعهم الاخير في دارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، والتي تتلخّص بوجوب أن تسبق الاطراف السياسية التطورات الخطيرة التي تتصاعد في المنطقة بترجمة حاجة بلدهم المُلحّة الى انتخاب رئيس الجمهورية واعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان في هذه المرحلة، خصوصاً انّ ثمّة استحقاقات أخرى ذات طابع اقليمي ودولي مرتبطة بالتطورات التي تحصل في المنطقة، لا بدّ للبنان أن يواكبها ويكون حاضراً فيها بفعالية، باعتبار انّ بعضاً منها يعنيه مباشرة، لا سيما بالنسبة الى ما يتعلّق بالقرار 1701 وما قد يطرح حوله من اجراءات او ترتيبات في المنطقة التي يشملها".
وإذا كانت اللجنة الخماسية تعكس من خلال سفرائها اهمية مسعاها وتُقدّمه كفرصة ثمينة للبنانيين لإنجاز استحقاقاتهم، فإن مصادر واسعة الاطلاع تؤكد لـ"الجمهورية" أن اللجنة تنشد من خلال مسعاها المتجدد الدّفع بقوة نحو فتح باب التوافق الداخلي على رئيس للجمهورية، وعلى هذا الأساس سيتحرّك لودريان بين الاطراف المعنية، متسلّحاً بالضرورات الموجبة لهذا التوافق، التي فرضتها التطورات الاخيرة في المنطقة". الا أنّ مرجعا مسؤولا ابلغ الى "الجمهورية" قوله: لا نملك أي معطى حول ما سيطرحه السفراء أو لودريان - اذا ما زار لبنان - ولكن في مطلق الاحوال إنّ نجاح مهمة اللجنة مرتبط بأمرين:
الأول، ألّا يقتصر المسعى الجديد للجنة على تكرار الجهد السابق، بصرف الوقت على استطلاع حول الواجبات والمواصفات، ينتهي بالتمنّي على الأطراف التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. فلقد سبقَ لكل الاطراف ان أدلت بدلوها حول الواجبات والمواصفات وأبلغت الاجوبة المباشرة عليها الى لودريان سواء كتابة او شفهياً. بل أن تدخل اللجنة مباشرة في تحديد اسماء المرشحين، وتشجيع الاطراف على حسم ترشيحاتهم نهائياً، من دون أن تتبنّى اللجنة أيّ اسم تحت مسمّى الخيار الجديد او الخيار الثالث وتسوّقه، فهذا الامر يحكم على مهمة اللجنة بالفشل الحتمي، يضاف الى ذلك أنّ ميزان نجاح مسعى "الخماسية" مرتبط بمدى قدرة اللجنة على أخذ التزام من كل الاطراف بتوفير نصاب انعقاد جلسة الانتخاب في مجلس النواب لانتخاب واحد من بينهم. وما خَلا ذلك فهو تضييع اضافي للوقت.
الثاني، مدى تجاوب الاطراف مع مهمة اللجنة الخماسية، وهو أمر يبدو بعيد المنال حتى الآن، وتؤكد ذلك شروط بعض الاطراف ومواقفها المتصلّبة حول شكل الرئيس وهويته، التي لم تتبَدّل منذ 15 شهرا من الفراغ في سدة الرئاسة. تفكيك هذا اللغز، منوط بالدرجة الأولى بدول "الخماسية" التي لها حلفاء مباشرون في لبنان، وفي إمكانها إذا كانت جدية فعلاً في بلورة حلّ رئاسي، أن تمارس تأثيرها المباشر عليهم لتسهيل التوافق وتوفير النصاب وانتخاب الرئيس.
وفي وقت لوحِظ فيه تكرار اللجنة بأن لا تباين فيما بين اعضائها حول الملف الرئاسي في لبنان، بل انها على موقف واحد من هذا الملف، ونظرة واحدة الى مصلحة لبنان وهدف واحد خلاصته تمكين اللبنانيين من انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تباشر في تنفيذ الخطوات الاصلاحية والخطوات العلاجية العاجلة للازمة الاقتصادجية والمالية، فإنّ أوساطاً سياسيّة تثير علامات استفهام حول ما أملى تجديد الحراك القطري عبر الموفد "ابو فهد" جاسم بن فهد آل ثاني الذي يجري لقاءات سياسية بصمتٍ مُطبق، في محاذاة مسعى الخماسية.
حول هذا الأمر، يلاحظ مصدر مسؤول عبر "الجمهورية" أنّ الحراك القطري ليس وليد اللحظة الراهنة، بل هو سابق لحراك الخماسيّة. وانّ اللقاءات التي اجراها مع بعض الاطراف، سواء ثنائي حركة "امل" و"حزب الله"، او رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او مع آخرين، لم تحمل ما يمكن اعتباره نوعيّاً على الخط الرئاسي. ويكشف ان هذا الحراك لا يبدو من سائر اعضاء اللجنة الخماسية، وهو ما جرى التصريح به في الغرف المغلقة. وبالتالي مع اعلان الخماسية عزمها على التحرّك من جديد، فإنّ الحراك القطري صار تلقائياً خلف المشهد".
وسألت "الجمهورية" مسؤولا رفيعا حول مهمة الموفد القطري، فقال: اولاً، أنا لم التق به شخصياً. وثانياً، انّ قطر وكما هو معلوم، تتحرّك على عدّة خطوط في المنطقة، ودورها واضح في الجهود الموازية للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة. سواء حول الاسرى، او حول صياغة هدنات في هذه الحرب. لذلك اعتقد أنّ لزيارة الموفد القطري إلى بيروت، إلى جانب مهمّته الأساسيّة المرتبطة بالملف الرئاسي، علاقة في الجهود الرامية الى تبريد الجبهة الجنوبية ومنع تمدد التصعيد وتوسّع الحرب".